أبرزمقالات

مصطلح وحدة الساحات: في معانيه ومصاديقه

الأخبار-*د. طراد حمادة

يسأل بعض الباحثين، والإعلاميين منهم بشكل خاص، عن مصير وحدة الساحات بعد إيقاف الحرب على لبنان واستمرارها بشكل معيّن في غزة والضفة وكذلك في مساندة جبهة اليمن والعراق. وكأن وحدة الساحات مسألة إستراتيجية مرتبطة بالحرب على الجبهة اللبنانية أو بمسألة حرب الإسناد من لبنان. علماً أنه، وبصرف النظر عن أصل نشوء هذا المصطلح ذي البعد الإستراتيجي السياسي والعسكري وما أحيط فيه من متعلقات، فإنه يبقى كمفهوم قابل لوجود مصاديق متعددة ولا يختص بواحد منها.
وإذا حفرنا في البعد الجيولونولوجي للمصطلح\المفهوم نجد أنه يقبل معنيين اثنين، عام وخاص، وأن المعنى الخاص منه يندرج في داخل المعنى العام كما هو في علم المنطق.
الحفر في أصول نشوء مصطلح وحدة الساحات يظهر أنه يعود في أصوله المفهومية إلى مسألة وحدة الأمة والجماعة في الفقه السياسي الإسلامي، وإلى مفهوم الوحدة العربية في المفهوم القومي العربي، وإلى مفهوم وحدة جبهات المواجهة في دول الطوق حول فلسطين -وهي مصر ولبنان والأردن وسوريا- في المسار التاريخي للصراع العربي الصهيوني، وقد نشأت وحدة ساحات حقيقية في حروب 1948 في جيش الإنقاذ وحرب تموز 1967 وحرب تشرين 1973، كما قرر في الجامعة العربية مشروع مجلس الدفاع العربي المشترك، وعيّنت إدارة لها تسلمت صلاحيات إلى حين.
إن القضية الأساسية المعاصرة التي يجمع عليها مفهوم وحدة الساحات وما يقابله ويوازيه في الواقع الإسلامي والعربي ونصرة فلسطين ومساندتها هو الجوهر التالي:
إن قضية فلسطين كأرض محتلة هي القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين وإن مساندة شعبها ونصرته واجب جميع العرب والمسلمين. وإن الأمر يكون مساوياً في مشروعية المسؤولية، بصرف النظر عن الأدوار التي اختصت فيها الدول القطرية التي كان لكل منها نصيبه وفقاً لما يقرره، لكن ذلك لا يلغي مسؤوليته وفقاً للمنطق الإسلامي أو القومي العربي.
لكن لماذا تعددت المواقف واتخذ مفهوم وحدة الساحات مسؤولية المحاور وكأن المختص به دول محور الممانعة دون سواهم من الدول العربية والإسلامية خلاف منطق الوحدة العربية ووحدة الأمة التي تجعل فلسطين قضية مركزية لها؟
حتى تستبين لنا هذه المسألة يجب البحث في جدلية العلاقة بين الوحدة والتجزئة في الواقع العربي والإسلامي، وقيام الدولة الوطنية القطرية بداية القرن العشرين، ونشوء مصالح مرتبطة بقيام الدولة الوطنية القطرية، حتى صار كل نظام سياسي مستقل يتصرف وفقاً لمصالحه القطرية إذا صح التعبير، يضاف إلى ذلك أن التاريخ لم يخلُ من صراعات داخل الدولة الإسلامية، صراعات الأمصار، وقيام إدارات متعددة لكن ضمن القواعد التالية:
١- كانت التجزئة حركة داخل الوحدة.
٢- المحافظة على أهمية القضية المركزية مثل قضية فلسطين.
٣- من يرفع راية مساندة القضية المركزية يكسب إجماع وتأييد الأمة.
وعليه، فإن ما نسميه صراع الأمصار القديم يستمر في وجود المحاور الجديد المعاصر ويصدق عليه إجماع وقيادة من يرفع الراية من أجل نصرة القضية المركزية ومساندتها. تصدق هذه الفلسفة التاريخية على الواقع الراهن.
ولئن كان محور الممانعة يرفع راية نصرة فلسطين، لكن يجب الانتباه إلى أمر أساسي هو التالي:
إن رفع محور معين راية نصرة فلسطين وهي القضية المركزية لا يسقط دور ومسؤولية بقية الدول أو المحاور. يعني مسؤولية الوحدة العربية في المفهوم القومي ووحدة الأمة ودار الإسلام في المفهوم الإسلامي. لذلك، يمكن تحديد حقيقة مصطلح وحدة الساحات بأنه مفهوم يصدق على وحدة الأمة في الفقه السياسي الإسلامي والوحدة العربية في الفكر القومي، وأن فلسطين القضية المركزية وجميع الساحات مسؤولة عن نصرتها ومساندتها، حتى لو تباينت المستويات، لكن الأساس هو في وحدة الساحات في المسؤوليات.
وإذا كان المفهوم العام هو مسؤولية الوحدة العامة، والمفهوم الخاص هو مسؤولية المحاور أو الجبهات، فإن الخاص يندرج في العام والعام يتضمن الخاص. وعليه، كخلاصة منطقية، نقول لكل من يسأل عن وحدة الساحات:
إن هذه الوحدة متحققة في وحدة الأمة والوحدة العربية في المفهومين الإسلامي والقومي والواجب أمام ما يجري في هذه الحرب الكبرى ألا يتخلى أحد عن مسؤوليته… «وقفوهم إنهم مسؤولون».
* كاتب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى