شردت الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على جنوب لبنان الآلاف من العوائل، وأجبرتهم على ترك منازلهم والنزوح، ليقضوا ساعات طويلة على الطريق وصولاً إلى مدينة صيدا، أو إلى العاصمة بيروت، ومنهم من غادروا إلى شمالي لبنان، أو سورية.
لم يجد النازح اللبناني عمر مصطفى مكاناً يؤويه بعد أن اشتد القصف بالقرب من منزله في بلدة زفتا (قضاء النبطية)، وخاف أولاده وزوجته، فاضطر إلى النزوح رفقة أسرته سيراً على الأقدام، قبل أن يجد لاحقاً من يقلهم إلى مدينة صيدا، حيث يقبع حالياً مع زوجته وأولاده الأربعة، بينما لا يملكون سوى الملابس التي كانوا يرتدونها، وليس بحوزتهم طعام أو مياه.
يقول مصطفى لـ”العربي الجديد”: “عندما وصلنا إلى صيدا، توجهت إلى البلدية، وسجلت اسمي في لوائح مخصصة لمن ينتظرون الدعم والمساعدات والإيواء. أخبرونا أنه ليس هناك مكان، وأن المدارس امتلأت بالنازحين، ولم تعد لديها قدرة على استيعاب المزيد، وأخذوا رقم هاتفي، وما زلنا ننتظر أن يتصلوا”.
يتابع: “لا أعرف ماذا يمكن أن أفعل، أو إلى أين أذهب مع زوجتي وأولادي. توجهنا إلى جامع الزعتري كغيرنا من النازحين، لكن بعد أن كثرت أعداد الناس، طلب المسؤولون منا الخروج. كان الوقت ليلاً، فلم نجد أمامنا سوى الذهاب إلى الكورنيش البحري، وهناك نمنا ليلتين في العراء، بلا طعام ولا ماء ولا أغطية. في اليوم الثالث، علمنا أن عدداً من السوريين ينامون في موقف للسيارات، فتوجهنا إليه، لنجد أنفسنا مرة ثانية في العراء، ثم منحتنا امرأة تسكن في المبنى المقابل حصيرة وأغطية”.
يضيف مصطفى: “يشعر الأولاد ليلاً بالبرد، فالموقف نصفه مسقوف، ولا نعلم ماذا سنفعل إن طالت أيام الحرب، أو إن بدأ هطل الأمطار، وليس في موقف السيارات حمامات، وتذهب زوجتي إلى مكان بعيد لتقضي حاجتها، أما أنا والأولاد فنقصد ركناً من الشارع لهذا الغرض. نشعر بالإهانة، فليس لدينا مكان نذهب إليه، ولا أملك المال لاستئجار بيت، ولا سيارة تقلني إلى بيروت، فأنا عامل في محل لبيع المفروشات، وكنت أسكن بيتاً بالإيجار، ولولا الصواريخ التي صارت تسقط أمام البيت ما نزحنا. يجب أن تعمل دولتنا على إيوائنا، فالنزوح يشعرنا بالذل، صحيح أنّ البقاء في مدرسة ليس بالأمر الهين، لكنه أفضل من النوم في العراء. منذ ثلاثة أيام ونحن على هذه الحال”.
لا تختلف قصة اللبناني حميد العلي، النازح من بلدة المصيلح في قضاء النبطية، كثيراً عن قصة عمر مصطفى، ربما وضعه أصعب كونه يحمل طفلاً يبلغ عمره أربعة أشهر. طاولت الصواريخ المنطقة التي يقيم فيها مع زوجته وأولاده، وانهار مبنى بالقرب من منزله، فشعر أولاده وزوجته بالرعب، ولم يكن أمامه سوى أن يترك البيت مع ثلاثة أطفال أكبرهم عمره سبع سنوات.
يقول العلي: “وصلنا إلى مدينة صيدا سيراً على الأقدام، فلم يكن معي مال كافٍ أدفعه لاستئجار سيارة، وبعد وصولنا توجهنا إلى بلدية صيدا، وهناك أبلغنا العاملون على استقبال النازحين بأن المدارس قد امتلأت، ولا توجد أمكنة فارغة، ثم سجلوا بياناتنا ورقم الهاتف، وأبلغونا أنهم سوف يتصلون بنا في حال وجدوا مكاناً شاغراً. لكني لا أعتقد أن هذا سيحدث، فمن الذي سيترك مكاناً يؤويه ويقيه الذل الذي نعيشه أنا وأولادي. عندها لم يكن أمامنا سوى أن نتوجه إلى كورنيش صيدا البحري، وقد بتنا ليلتين هناك، وعندما علمنا أن بعض النازحين السوريين ينامون في موقف للسيارات، توجهنا إلى الموقف”.