مقالات

تحدّيات المرأة الفلسطينية في مواجهة الحروب

الأيام- د. انتصار الدّنّان

هنّ لسن من خلقٍ آخر، لكنهن يختلفن بصمودهن أمام غطرسة الاحتلال الصهيوني، فمنذ عام النكبة 1948 تعاني المرأة الفلسطينية من وجود الاحتلال، لأنَّها جزء لا يتجزأ من معركة الصمود والتحدي في ظل الحروب المتكرّرة والتحديات الاجتماعية التي تُفرض عليها.

على مر سِنَّي الاحتلال لفلسطين، شاركت المرأة بشكل فعّال في الحروب التي شهدتها فلسطين، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ المرأة الفلسطينية تعاني من التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، غير أنّها لا يمكن إلاّ أن تواجه هذه التحديات جميعًا بإرادة صلبة، لقناعتها الراسخة وإيمانها بقضيتها الفلسطينية العادلة.

من التحديات التي تواجهها المرأة الفلسطينية الاحتلال الصهيوني بحدِّ ذاته، الذي يعيق حرية حركتها، ويفرض قيودًا على حقوقها الأساسية، كحرية التنقّل والحصول على الخدمات اللاّزمة والأساسيّة، كما تواجه العنف والاعتقال، ما يعرِّضها للعنف الجسدي والجنسي من قبل عناصر الاحتلال، كما تواجه اعتقالات تعسُّفية. كما تواجه المرأة الفلسطينية التهميش الاجتماعي والاقتصادي، كفقدان فرص العمل المناسبة، وتحديات في التعليم والصحة، والتمييز الجنساني.

كما تواجه المرأة الفلسطينية تحديات في الحفاظ على الهوية الثقافية، الحفاظ على هويتها وثقافتها في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية الطارئة، ويظهر صمودها أمام كل تلك التحديات بوضوح بحسب دورها الفعّال الذي تقوم به في بناء المجتمع، والمساهمة في تخطّي الصعاب، وعليه، فإنّ المرأة الفلسطينية تظل رمزًا للصمود والإصرار والقوة في وجه الظروف الصعبة التي تعيشها في حياتها اليوميّة.

بالعودة إلى ما يحصل في غزّة، بعد حملة الإبادة والتطهير العرقي الذي يقوم به الاحتلال ضد غزّة وأهلها، منذ ستة أشهر وما يزيد، تتعرّض المرأة الفلسطينية ( الغزّية) إلى العديد من الانتهاكات، حيث تم اعتقال عدد من النساء وصل عددهن إلى مائتي امرأة وفتاة في غزّة، ومئة وسبعة وأربعين امرأة، ومائتي وخمسة وأربعين طفلًا في الضفة الغربية، وتم احتجازهن تعسفيًّا في ظروف قاسية وسيئة جدًّا، وتم تعريتهن من ملابسهن وتصويرهن في أماكن احتجازهن ونشر تلك الصور، والعبث بملابسهن الداخلية، وظهر ذلك من خلال نشر مقاطع مُصوَّرة لجنود “إسرائيليين” يقومون بالعبث بملابسهن الداخلية التي وجدوها في بيوت الفلسطينيين التي عبثوا بمقتنياتها بعد أن قاموا باحتلالها، لذلك، عملت جمعيات تختصُّ بحقوق النساء بالمطالبة إلى حماية النساء الفلسطينيات، وفكّ أسرهن.

المرأة الفلسطينية كسائر أفراد المجتمع، لكن معاناتها تكون مضاعفة أثناء الحروب، وتحديدًا في غزّة، في ظل حرمان مُدقع من كل عناصر الحياة، وحرمان من إدخال المواد الغذائية والطبية وغيرها من المستلزمات التي تحتاجها المرأة، فمعاناة النساء في غزّة منذ بداية الحرب، خاصة على الصعيد الإنساني والخدماتي كبيرة جدًّا، بدءًا من عدم توافر الفوط الصحية والأدوية والمستلزمات الصحية، كذلك ندرة المياه بسبب تدمير البنية التحتيّة، والحوامل منهن من كُنّ عرضة للولادة المبكرة، كما كان يتمّ إجراء عمليات قيصرية لهن دون تخدير أو أدوية مسكنة، أو للاجهاض ومضاعفاته دون القدرة على المتابعة الطبية ما يجعلهن عرضة لخطر العدوى والمضاعفات الطبية حيث تم إغلاق 14 مستشفى و45 مركزًا للرعاية الصحية الأولية خلال شهر واحد، هذا عدا عن الرعب الذي كنّ ومازلن يشعرن به بسبب القصف المستمر والتّهجير القسري والتجويع.

برغم مرور ستة أشهر على الحرب، وورود معلومات عن حصول انتهاكات بحق النساء إلى المقرّرة المستقلة بمجلس حقوق الإنسان المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، “ريم السالم”، التي لم تستطع هي أو آخرين منهن الممثِّلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع “باميلا باتن”، زيارة القطاع بسبب تجاهل الكيان الصهيوني طلبهن.. ما زال الاحتلال يقوم بأبشع الممارسات الوحشية ضد النساء الفلسطينيات، وهي ليست جديدة، فهي جزء لا يتجزّأ من البنية الأساسية للاستعمار الاستيطاني لإجبار أصحاب الأرض على تركها أو إبادتهم، ويندر أن تصل النساء إلى العدالة تحت وطأة هذا الاحتلال العسكري.

فهذه الجرائم التي تحصل أمام مرأى الجميع، التي تتعرض لإنسانية المرأة الفلسطينية، تواجهها المرأة الفلسطينية بصلابة، علمًا أنَّ تداعياتها ستكون كبيرة جدًّا، وستكون لها آثار نفسية وجسدية بالغة، وتداعيات مجتمعية متوقعة على النساء، نظرًا لما عشنه من إرهاصات.

ليس النضال جديدًا على المرأة الغزيّة التي كانت وعلى مدى عقود، حاضرة في كل المعارك، وسجَّلت تاريخًا حافلًا بالتضحيات والبطولات، واليوم، تكمل الدّرب الذي بدأته منذ عشرات السنين، لتثبت للعالم أنَّ الفلسطينية تستطيع التعايش مع الظروف القاسية والتحديات التي تفرض عليها، مع استمرار آلة القتل والدمار والحرب على قطاع غزّة، وما زالت تتحدى كل الصِّعاب في ظلّ انعدام أدنى مقوِّمات الحياة، من طعام وشراب ومسكن وكهرباء ومياه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى