مقالات

النكبة والإبادة والحد الأدنى

حمزة البشتاوي

كلما حضرت ذكرى النكبة، أتذكر ما قالته لي أم ناظم، وهي ابنة بلدة الكابري قضاء عكا، عندما سألتها عن عمرها فقالت: 12 سنة! فقلت لها كيف؟ قالت: عندما خرجت من الكابري في نكبة العام 1948 كان عمري 12 سنة، وعمري توقف منذ ذلك الوقت، وكل ما عشته خارج بلدي غير محسوب.

وأتذكر أيضاً الشاعرة السورية ابنة مدينة اللاذقية هند هارون التي كتبت قضائد عن النكبة تقول في إحداها بأن الثور قد توقف وحرن ولم يعد يحرث الأرض بانتظار عودة أصحابها.
وأصحاب الأرض الذين تحدثت عنهم الشاعرة هند هارون تضاعف عددهم خارج أرضهم اليوم نحو عشرة أضعاف ويحيون ذكرى النكبة الحاضرة في يوميات الوجع الفلسطيني بالذكريات والأمل والألم والصمود والبكاء، حيث تتجدد النكبة بشكل أقصى وأفظع مع أهوال حرب الإبادة والتجويع ومخططات التهجير القسري التي يواجهها الشعب الفلسطيني بأساطير الصمود والبقاء والتمسك بالأرض.
ومنذ النكبة حتى يومنا هذا ما يزال الإحتلال الإسرائيلي يرتكب أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني في محاولة لإعادة إنتاج النكبة مجدداً وبما يفوق كثيراً ما حدث في نكبة العام 1948 التي ما زالت حاضرة ومستمرة في الزمان والمكان وتطال كل الوجود الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، مع التركيز على الإستمرار بحرب الإبادة والتهجير القسري وقتل كافة وسائل أدامة الحياة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، بهدف تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على قضية اللاجئين وحقهم بالعودة عبر استهداف المخيمات، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية التي يسعى الاحتلال إلى تدميرها باعتبارها الشاهد الأبرز على النكبة، كما يعمل الاحتلال بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحويل وكالة الإنروا من وكالة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى وكالة توطين لهم في الدول المضيفة.

وإذا كان الفلسطينيون اليوم وبعد مرور 77 عام على النكبة لم يستطيعوا إنجاز حق العودة، فإن الإسرائيليين بالمقابل ورغم كل الدعم الأميركي والغربي لهم، لم يستطيعوا شطب هذا الحق حيث ما زال الفلسطينيون يرفضون مشاريع التوطين والتهجير القسري، ويؤمنون جميعهم بهذا الحق حتى من يرى إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت عام 1967، دون التخلي عن حق العودة، وهذا الرأي مرتبط بما يعرف بالواقعية السياسية وبرنامج الحد الأدنى، وبأسباب الهزيمة والنكبة وليس بالثقافة الوطنية الفلسطينية الرافضة لأي تفكيك سياسي أو جغرافي والتي لا يوجد فيها نصف أو ربع فلسطين، بل هي ثقافة واحدة وموحدة وشارحة لتاريخ الفلسطينيين وماضيهم ومستقبلهم وصمودهم في مواجهة حرب الإبادة الوحشية وأهوالها، وهي التي تؤكد بأن لا حل إلا بالخلاص من الاحتلال ومحو آثار النكبة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة والاستقلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى