أبرزتحقيقات

تحقيق: فلسطينيو سورية بين العودة واللا عودة

د.انتصار الدّنّان

نشر في مجلة الهدف العدد (67) (1541)

منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، والفلسطينيون يعيشون حياة ترحال ونكبات متعددة في البلاد التي لجأؤوا إليها، هربًا من بطش العدو بعد استيلائه على أرضهم، وطردهم منها تحت وطأة نيرانه، ومع كل حرب يتفتح الجرح الفلسطيني الذي لم يندمل من جديد، وما إن يلبث الفلسطيني تعويد نفسه العيش في المكان الذي لجأ إليه حتى يعاود اللجوء مرة أخرى.

هكذا هم فلسطينيو سورية الذين لجؤوا إلى لبنان منذ أكثر من عشر سنوات بسبب الحرب، وعاشوا في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان في ظروف صعبة وسيئة للغاية، ومع تغير الوضع في سورية بعد إقصاء بشار الأسد عن الحكم، والتفكير بالعودة إلى المخيمات في سورية تعددت الآراء التي رأت أنها من الممكن العودة لكن بعد زوال المعوقات، والبعض الآخر رأى بأنه لا إمكانية للعودة إلى سورية أبدًا.

وعن العودة أو اللاعودة، قالت السيدة عايدة مصطفى، المتحدرة من عكا، النازحة من منطقة الست زينب بسورية، والمقيمة في مخيم برج البراجنة ببيروت: “عندما بدأت الحرب بسورية نزحت نحو لبنان، وكان قد فر أولاً زوجي إلى لبنان ثم تبعناه أنا وأولادي، وبقينا في لبنان برغم الظروف الصعبة التي نعيشها في لبنان، لأن أولادي خافوا من العودة إلى سورية بالفترة السابقة، خاصة أن ابني الصغير كان مطلوبًا للخدمة العسكرية“.

تروي: ابني الكبير مات في لبنان جراء صعقة كهربائية، وزوجي توفي في اليوم الذي تم فيه اغتيال السيد حسن نصرالله. لقد انتهى حكم نظام بشار الأسد وتغير الوضع بسورية، وأنا وابني لدينا رغبة كبيرة بالعودة إلى سورية، لكن بيتنا بحاجة إلى ترميم، وإلى المياه والكهرباء، وكل ذلك يحتاج إلى المال، وعندما أستطيع تأمين المبلغ لترميم بيتي سأعود إلى سورية.

وعن حياتها في لبنان، قالت: “أسكن في بيت صغير مؤلف من غرفة واحدة ومطبخ وحمام، وهو بالأساس لأخي. وضعنا الاقتصادي سيئ جداً، فابني لا يعمل، وإن استطاع العمل فيكون ضمن المخيم، لأنه ليس معه بطاقة هوية فقد أتى إلى لبنان وكان صغيرًا، والفلسطيني السوري يحتاج إلى إقامة في لبنان، لذا لا يستطيع الخروج من المخيم والعمل خارجه، ولم أستطع أن أؤمن له بطاقة هوية في السابق بسبب الوضع السابق، والآن بعد انتقال الحكم بسورية لم تبدأ الوزارات المعنية بالأحوال الشخصية بالعمل.

بناتي تزوجن وسافرن إلى الخارج، وهن اليوم من يقمن بمساعدتي ماديًا، صحيح بأن المبلغ ليس كبيرًا، لكنه أفضل من لا شيء.

وقالت أم أحمد اللاجئة الفلسطينية المتحدرة من حيفا بفلسطين، والنازحة من مخيم اليرموك إلى مخيم برج البراجنة ببيروت: “كنت أعيش في مخيم اليرموك، وبسبب الحرب هربت بسبب الوضع الاقتصادي، وهربت نحو لبنان لأنه لم يكن باستطاعتي السفر إلى أوروبا لأسباب اقتصادية، لأنني لا أملك المال ولا يمكنني التوجه إلى أوروبا بطرق شرعية، وكان من الممكن أن أعرض نفسي وأولادي إلى الخطر حتى نصل إلى أوروبا ونعيش حياة كريمة ومستقرة، لكن لأنني لم أكن أملك المال تعذر عليّ ذلك، ولأن كل محاولاتي باءت بالفشل توجهت نحو لبنان، وكانت تكلفة النقل في ذلك الوقت لي ولأولادي 200$، وصلت لبنان، وتوجهت نحو مخيم برج البراجنة.

لا أعيش حياة رغد في المخيم، لكن أقله صرت أنا وأولادي نجد ما نأكله، ونشتري اللحم والدجاج الذي كنا محرومين منه في السابق، علمًا أن وضعي المادي ليس جيدًا لأنني أرملة، لكنني أعمل مستخدمة في مكتب أعد القهوة والشاي للضيوف والعاملين في المكتب، وأنظف المكتب، وإذا احتاجت امرأة إعداد طبخات أعدها لها، ولأن أولادي أيتام فقد سجلت مؤسسة الغوث ومؤسسة صمود أولادي، وتساعدني بمبلغ مادي بسيط.

في سورية لا توجد هذه الخدمات، لذا لا أفكر حاليًا في العودة كون وضعي المادي مستقراً نوعًا ما، ودخل زوجي قبل أن يموت ما كنا نستطيع أن نوفر من خلاله غير اللبن والخبز، كنا نعيش عليه طيلة أيام الشهر.

لا أعيش حياة رفاهية، بيتي فيه رطوبة، لكن بالحد الأدنى بلبنان هناك من يقدم لنا المساعدات والعمل بالنسبة لي متوفر، ولا نعرف بسورية ما الذي سيحصل لاحقًا بعد تسلم أحرار الشام الحكم، فالوضع ليس مستقرًا حتى اللحظة.

بصراحة، هناك أمور كثيرة تجعلني لا أفكر بالعودة إلى سورية، لأننا مازلنا خائفين من الوضع هناك، ولا أعلم إن كان بيتي مازال على حاله أم تهدم، فهنا أسكن بيتًا بالإيجار، وهناك أستأجر لكن إن كان عندي عمل، فإن لم أستطع الحصول على عمل فلن أستطيع العودة إلى الشام.

لدى أم أحمد هواجس عديدة، منها الخوف من ترحيلهم بعد أن تم انتخاب رئيس جمهورية للبنان، لأنها تعيش في لبنان من دون إقامة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى