أبرزتحقيقات

خطة الجنرالات وحرب الإبادة في غزة

بوابة الهدف- علي زيدان

تتعرض غزة لحرب إبادة شاملة وغير مسبوقة في العالم، لا في الحرب العالمية الأولى ولا الثانية، ولا في الحروب المتوحشة السابقة التي شنتها الدول الاستعمارية في المستعمرات السابقة. وقد جاءت هذه الحرب تتويجاً لبربرية الكيان الصهيوني وهمجيته في محاولة طرد الفلسطينيين من بلادهم وإحكام السيطرة على فلسطين.

يرتكب جيش الاحتلال الصهيوني المجازر والمذابح اليومية، متعمداً، ضد السكان المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي يتشدق بالعبارات الفارغة والجوفاء عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأمام الدول العربية التي تخلت عن عروبتها وكرامتها. بينما أدوات الجريمة التي يستخدمها الصهاينة هي من الأسلحة الفتاكة شديدة التدمير المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. بهذه الأدوات يتم استهداف المستشفيات، والمربعات السكنية، ومراكز الإيواء، ومكاتب الأونروا، ومنظمات الأمم المتحدة. هذا الإجرام غير المسبوق الذي يهدف إلى إبادة سكان غزة وطردهم من أرضهم يتم علناً تحت شعارات مختلفة، ومسميات عديدة، آخرها ما يسمى خطة الجنرالات. لكن، الجريمة واحدة، والمجرم واحد، والشيطان الأخرس واحد، مهما تعددت المسميات والأسماء وتغيرت الوجوه والأقنعة. منذ بداية الحرب في أوائل شهر تشرين الأول / أكتوبر 2023، وجيش الاحتلال يقصف بوحشية متعمدة قل نظيرها الأهداف والتجمعات المدنية، بعد أن فشل في مواجهة مقاتلي فصائل المقاومة. خلال هذه الفترة، خرجت أصوات كثيرة من الأوساط الأكاديمية والدينية الصهيونية تدعو الجيش إلى تنفيذ إبادة جماعية في شمال غزة؛ وفي مقابلة إذاعية في 15 أيلول/سبتمبر، قال البروفيسور عوزي رابي في جامعة تل أبيب: أخرجوا السكان المدنيين بالكامل من الشمال، وكل من يبقى هناك سيُحكم عليه قانونياً بأنه إرهابي، وسيخضع لعملية تجويع أو إبادة. وفي هذه الأثناء، بدأ جيش الاحتلال بتطبيق ما يُسمى بخطة الجنرالات، وهي خطة عسكرية غير تقليدية تهدف إلى طرد الفلسطينيين والقضاء على المقاومة في شمال قطاع غزة. هذه الخطة قام بهندستها مجرم الحرب الجنرال المتقاعد غيورا أيلاند مع مجموعة من مجرمي الحرب المتقاعدين، وقدمها باسمهم إلى رئيس الحكومة في شهر أيلول/ سبتمبر 2024. قدمت هذه الخطة تصوراً إستراتيجياً لإنهاء الحرب، والإعداد لليوم التالي. حيث يتم القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة من خلال حصار شامل يؤدي إلى عملية تطهير عرقي مُمَنهجة ومُبَرمجة، ومُستمرة بأشكال مختلفة، يكون فيها السكان المدنيون العُزّل الهدف الرئيس للضغط على المقاومة. خصوصاً وأن النساء المحاصرات هن أمهات وزوجات وأخوات وبنات المقاتلين، وعليه فإن تردي هذا الوضع سوف يدفع المقاتلين إلى الاستسلام. لقد تكونت هذه الخطة من مرحلتين. تشمل المرحلة الأولى طرد السكان وتهجيرهم قسراً من شمال غزة، وإجبارهم على النزوح نحو الجنوب، وتحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة. وقد قام الجيش بطرد نحو 95% من السكان، وإجبارهم على النزوح المتكرر عشرات المرات، خاصة وأن عدد الفلسطينيين المتبقين في مناطق شمال غزة يقدر بنحو 300000 نسمة يرفضون المغادرة. بينما تشمل المرحلة الثانية تحويل منطقة شمال غزة إلى منطقة عسكرية، ومن ثم فرض حصار شامل على من تبقى في شمال القطاع وعزل المنطقة عن باقي المناطق، ومنع حركة الدخول والخروج منها أو إليها. ويتضمن الحصار الشامل منع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه والدواء، واعتبار كل من تبقى أهدافاً عسكرية. ويترافق ذلك باستخدام سلاح التجويع ونشر الأمراض والأوبئة ضد السكان المدنيين، كوسيلة ضغط للتهجير أو الانقلاب ضد المقاومة، باعتبارها أكثر الحلول نجاعة. كما أنها تسعى إلى وضع من تبقى من المقاومين، ويقدر عددهم بعدة آلاف، أمام الخيارات الصعبة، الموت جوعاً، أو الاستسلام، والإفراج عن الأسرى. وهذا يعني القضاء الكامل على أي وجود لفصائل المقاومة المسلحة في المنطقة. ويعتقد واضعو هذه الخطة، أنها أكثر فعالية من القتال المباشر الذي يعرض جنود جيش الاحتلال للخطر من كمائن المقاتلين. كما أن هذا الحل، وفقاً لواضعي الخطة، لا ينتهك القانون الدولي، كونه يتيح للسكان الخروج من مناطق القتال قبل فرض الحصار، وهذا ما يتوافق مع قانون الصراع المسلح، ودليل قانون الحرب التابع لوزارة الدفاع الأميركية، الذي ينص على أن الحصار العسكري مسموح به، طالما يتمكن المدنيون من الإخلاء. غير أن دليل قانون الحرب لوزارة الدفاع الأمريكية يؤكد أن التجويع الموجه خصيصًا ضد السكان المدنيين الأعداء محظور؛ على سبيل المثال، يُحظر تدمير إمدادات الغذاء أو المياه لغرض حرمان السكان المدنيين من القوت. و يضيف الدليل، ومع ذلك، لا يجوز اتخاذ إجراء عسكري يهدف إلى تجويع قوات العدو حيث من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إلحاق ضرر عرضي بالسكان المدنيين يكون مفرطاً مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة. ويؤكد الدليل (Department of Defense Law of War Manual) أيضاً على أن المستشفيات والمنشآت الطبية تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني، حتى في مناطق الحصار والنزاع، وتُعد أي هجمات ضدها انتهاكاً لقوانين الحرب. هذا فضلاً عن اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تنص على حماية الجرحى والمرضى والمستشفيات وتحظر الهجوم عليها. وعلى هذا الأساس، فإن أساليب القتل المتعمد متعددة، وتتفاوت في شدة الإجرام وعدد الضحايا، مهما كانت تسميتها. وهي تتفاوت بين إطلاق النار العشوائي من الآليات العسكرية ومن المسيرات، كما تفيد التقارير الصادرة عن الدفاع المدني في غزة يومياً تجاه خيام النازحين في مواصي مدينة رفح، إلى غارات الطيران الحربي على مناطق شمال غزة مستهدفة المربعات السكنية ومراكز الإيواء والمستشفيات، خصوصاً مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا الذي يتعرض للحصار والقصف اليومي. بالإضافة إلى منع قوافل المساعدات الإنسانية من الدخول إلى قطاع غزة لتلبية حاجات الناس المحاصرين. كل ذلك من أجل هدف واحد وهو التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين من أرضهم، والقضاء على جذوة المقاومة. كما أن التدمير الممنهج للمباني والمربعات السكنية، يهدف إلى تسوية المنطقة بالأرض بشكل كامل، وإنشاء منطقة عازلة في شمال غزة مما يتيح عودة المستوطنين الصهاينة إلى مستوطنات غلاف غزة واستئناف أنشطتهم، وبناء مستوطنات جديدة. وبالرغم من ذلك، ما زالت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها تعتبر أن الكيان الصهيوني هو دولة ديمقراطية وجيشها ملتزم بالمعايير الأخلاقية، وأنها تدافع عن نفسها ضد المنظمات الفلسطينية الإرهابية التي تهدد الاستقرار في المنطقة. ولذلك فهي تزوده بالأسلحة الأشد فتكاً. وينبغي القول أيضاً إن العديد من الدول العربية التي لها علاقات متينة مع الكيان الصهيوني، سراً أو علناً، توافق على ذلك الرأي. ولذلك هي حتى الآن تراقب تدمير غزة وإبادة الفلسطينيين دون أن تتخذ موقفاً حاسماً وجازماً للضغط على حلفائها في الكيان الصهيوني أو الولايات المتحدة، لوقف هذه الحرب بعد أكثر من 400 يوم من حرب الإبادة المستمرة ضد المدنيين، وانتهاك القوانين والمواثيق الدولية. غير أن تلك النية، أو الإرادة غير متوفرة بعد. أما السلطة الفلسطينية، فهي غائبة تماماً عن المشهد، كونها رهينة للأنظمة العربية وسلطات الاحتلال. لكن، بالرغم من التدمير الهائل في كل مناطق القطاع، والعدد الكبير من الشهداء والجرحى والأسرى، ظلت المقاومة الفلسطينية تمارس حرب الاستنزاف ضد جنود الاحتلال وتكبدهم الخسائر الكبيرة، في شمال غزة وباقي مناطق القطاع. بينما يتشبث السكان المدنيون العزل بأرضهم، رافضين طلبات الإخلاء القسري المستمرة من قبل جيش الاحتلال، ويرفضون المغادرة، وذلك بسبب خشيتهم من عدم السماح لهم بالعودة مرة أخرى إلى بيوتهم حال مغادرتهم، أو لمعرفتهم بأن الأماكن التي يصفها الكيان الصهيوني بالآمنة، هي غير آمنة ويتم استهدافهم خلال التنقل. أمام هذا الواقع المرير والصعب، جميع الخيارات مرة وصعبة. غير أن المطلوب اليوم هو إنجاز المصالحة الوطنية الشاملة، وبناء وحدة وطنية حقيقية على غرار ما جرى في غزة من تحالفات مشتركة بين فصائل المقاومة خلال إدارة القتال والمفاوضات. ولا بد من إعادة النظر بكثير من المفاهيم السائدة، والتي كانت تعتبر من المسلمات. وفي ظل هذه الظروف المعقدة، ينبغي عدم إهمال الجانب الإنساني للشعب الفلسطيني الذي قدم من التضحيات الجسام ما لا يمكن وصفه. وبالتالي ينبغي توفير المقومات الأساسية لدعم صمود المواطنين العزل ضد حرب التجويع، والوقوف بحزم ضد العصابات التي يشجعها العدو الصهيوني، والتي تسرق المساعدات وتبيعها بأثمان غالية لا يقوى المواطن الذي فقد كل ما يملك على شرائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى