110 أيام على الحرب… جردة لخسائر الاقتصاد الإسرائيلي
الميادين-زياد ناصر الدين
لأوّل مرّة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، يفشل العدو في تحييد اقتصاده وتجنيبه الخسائر الكارثية التي ألمّت به، كما كان يحدث في الحروب السابقة. فبعد 110 من على المجازر والعدوان على قطاع غزّة، لا يزال الاقتصاد المهتَزّ في صدارة المشهد بعد أن كانت إسرائيل تعًدّ أنّه لا يمكن أن يُمَسّ في أيّ عمليّة عسكريّة.
طوفان شامل
قبل “طوفان الأقصى”، لم يكن في الحسبان مطلقاً، حتى في أكثر التوقعات تفاؤلاً، أن نصل إلى مرحلة تعيش فيها القاعدة الغربية المتقدمة في الشرق، المسماة “إسرائيل”، طوفاناً عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً مرة واحدة، وبصورة متزامنة، وأن تتزعزع صورتها وتُطرح أسئلة استراتيجيّة كبرى بشأن جدواها وإمكان استمرار وجودها.
نتحدث هنا عن طوفان سيطيح مشروعاً يُمسك بحُكم الكيان منذ ثلاثين عاماً؛ مشروع بنيامين نتنياهو وعوامل القوى الداخلية والاستيطان السياسي الاقتصادي المليء بالفساد، ويمكن أن يصل الأمر إلى مرحلة تمتلئ فيها السجون الإسرائيليّة بالسياسيين والأمنيين والمصرفيين والاقتصاديين والفاسدين.
منذ عام 1948 حتى عام 1978، لم يكن الجانب الاقتصادي أساسياً في “إسرائيل”، بل على العكس كان اقتصاد قطاع عام يميل إلى الاشتراكية مع مصارف وشركات تأمين تمتلك معظمَها سلطةُ الكيان، وكان يتمّ استيراد كلّ شيء من الخارج في ظلّ ناتج محلّي ضعيف.
في عام 1982، قرّر الغرب تخصيص مساعدة ماليّة كبيرة لـ”إسرائيل”. وبالفعل، تم دعم اقتصادها بنحو 50 مليار دولار، إلا أنّ هذا الاقتصاد انهار 4 مرات بسبب فقدانه بناء مشروع اقتصادي وبنى تحتية سليمة، وهو ما دفع الكيان ومعه أميركا إلى التوجه إلى خيارات اقتصادية جديدة.
ومنذ عام 1992 أدارت الولايات المتحدة بناء هذا الاقتصاد بالتفصيل، وقامت باستثناءات مرتبطة بإيداع أموال نقدية في المصارف الإسرائيلية من دون ذكر مصدرها، الأمر الذي سمح بإدخال كميات كبيرة من المال للكيان.
بالإضافة إلى ذلك، أسست أميركا مراكز وشركات للتكنولوجيا المتطوّرة (“هاي تيك”)، وفرضت عقوداً ضخمة جداً معها على بلدان في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا، على أن يكون المركز الرئيس لهذه الشركات في “تل أبيب”. وأقامت الولايات المتحدة جزءاً مما بات يعرف لاحقاً بمشروع وادي السيليكون في “تل أبيب”، حيث يتم تصنيع الشرائح الإلكترونية. كل ذلك منح الاقتصاد الإسرائيلي مدخولاً هائلاً تراوح بين 140 و160 مليار دولار سنويّاً، وتخطاها في بعض الأحيان ليشكّل مردود هذا القطاع نحو نصف الاقتصاد، ويتحوّل إلى بنيان أساسي له.
إلى جانب هذا، جرى العمل على مشروع اقتصادي – سياسي آخر، وهو الاستيطان والإعمار. وفُرضت اتفاقيات على الدول الغربية لاستيراد الصادرات الصناعية والزراعية الإسرائيلية.
إذاً، ما عُرف بأسطورة الاقتصاد الإسرائيلي بُني وأدير في جميع قطاعاته عبر استخدام القوّة الأميركية، للإبقاء عليه واستمراره، وهو ما أسّس ما نراه في الحاضر.
لكن، في خضمّ التدهور الدراماتيكي الجديد، برزت خسائر الاقتصاد الإسرائيلي الفادحة، وهي بالغة الخطورة بالنسبة إلى “الدولة اليهودية”، التي أقرّ مصرفها المركزي بأنّ تكلفة الحرب تشكّل 12% من الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، أي أكثر من 60 مليار دولار، وأنّ التكلفة المباشرة على الاقتصاد بلغت 600 مليون دولار أسبوعيّاً.
هذه الأرقام، على رغم أهميتها، تبقى متواضعة نظراً إلى حقيقة الضرر الاقتصادي الذي لحق بـ”إسرائيل”، إذ وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة للحرب إلى 125 مليار دولار.
التكلفة العسكرية
وصلت التكلفة العسكرية للحرب الإسرائيلية على غزة، والقصف المتبادل مع لبنان، إلى 28 مليار دولار، تتضمّن التكلفة التشغيلية، والخسائر في الآليات العسكرية التي تم تدميرها وإخراجها من الخدمة، والتي وصل عددها إلى 1000 دبابة وعربة.
الاستثمارات الأجنبية
توقُّف تدفّق أموال الاستثمارات الأجنبية في مشاريع في الكيان كلّفه 15 مليار دولار.
تصنيف شركات المال
تم تصنيف الاقتصاد الإسرائيلي بالسلبي من جانب الشركات المالية العالمية، من “موديز”، مروراً بـ”ستاندرد أند بورز”، وصولاً إلى “فيتش”.
النمو الاقتصادي
كان من المتوقّع أن يشهد الناتج المحلي نموّاً بنسبة 3%، إلّا أنّه أصيب بتباطؤ نتيجة الحرب، ووصل النمو في الفصل الأخير من عام 2023 إلى ما دون 1.5%، ويُتوقّع أن يستمرّ هذا التدهور إلى أقل من 0.5% في العام الجاري، إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، وسيبلغ التضخم أعلى مستوى منذ عام 2012.
الانكماش الاقتصادي
توقّع بنك “جي بي مورغان” ووكالة “بلومبرغ” أن يبلغ الانكماش الاقتصادي في الكيان 11%، بينما توقعت “ستاندرد أند بورز” و”موديز” أن يصل إلى 5%، واكتفت وزارة المال الإسرائيلية بالحديث عن نسبة 2% فقط.
في جميع الأحوال، النتيجة واحدة، وهي أنّ الاقتصاد الإسرائيلي يتعرّض للانكماش لأوّل مرّة نتيجة الحرب.
البورصة والشيكل
خسائر البورصة تخطت 15%، وبلغت بين اسمية وفعلية 20 مليار دولار، وتمّ ضخ 45 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي في السوق لوقف انهيار الشيكل.
الموازنة
بلغ عجز موازنة عام 2023 نسبة 5% من الناتج المحلي، أي 25 مليار دولار، وتراجعت الإيرادات الضريبية بين 7.9 و12 مليار دولار بمعدّل 8.5%. كما وصلت إلى 26% الزيادة على ضريبة أرباح البنوك.
الديون
الديون الداخلية سترتفع إلى 63% من الناتج المحلي، أي ستتخطى 300 مليار دولار.
الدخل الفردي والبطالة
تراجع الدخل الفردي بنسبة 20% بصورة أولية. ومع استمرار الحرب وتوقف الاستثمار من المتوقع أن يصل إلى 35%. كما بلغت نسبة البطالة 11%، وهي في أعلى مستوياتها.
التعويضات
من ضمن الأثر المالي للحرب أيضاً التعويضات المقدّرة بـ 10 مليارات دولار حتى اليوم.
أداء القطاعات الاقتصادية
أ- قطاع البناء: قدّرت وزارة المالية خسائر قطاع البناء بـ644 مليون دولار أسبوعياً، أي نحو 7.728 مليارات دولار منذ بدء الحرب. ومن المتوقّع أن يتسبب بخسارة 3% من الناتج المحلي في عام 2024، أي 15.9 مليار دولار، في ظلّ نقص 140 ألف عامل في القطاع.
ب- قطاع التكنولوجيا: يُشكّل 18% من الناتج المحلي، 35% من الإيرادات الضريبة، 25% من القوى العاملة الإنتاجية، و50% (71 مليار دولار) من الصادرات.
تراجع الاستثمار فيه بنسبة 15%، وانخفضت الإيرادات 56%، وبلغت الخسائر 20 مليار دولار.
جـ – قطاع الزراعة: يُشكّل 5% من الناتج المحلي و10.1% من القوى العاملة الإنتاجيّة. وأدت الحرب إلى فقدان 29 ألف عامل في القطاع لوظائفهم، وبلغت خسائره حتى الآن 2.650 مليار دولار.
ويتوزّع الإنتاج الزراعي الأساسي بين غلاف غزة 30% ومستوطنات الشمال 70%.
وينتج غلاف غزة 75% من الخضروات، 20% من الفاكهة، 6.5% من الحليب، 37% من الجزر والملفوف، و60% من البطاطا.
وأسفر التوتّر عند الحدود اللبنانية عن توقّف العمل في 60% من المحاصيل الزراعية في شمالي فلسطين المحتلة، وإقفال 15 مصنعاً للإنتاج الغذائي، و10 مزارع دواجن، و10 مزارع مواشٍ. وتراجع من 75% إلى 80% إنتاج الحليب والبيض.
د – قطاع السياحة: يبلغ مردوده 20 مليار دولار للخزينة، وتقدّر خسائره بـ2.5 مليار دولار.
هـ – قطاع التجارة: تلقى هذا القطاع الذي يشكّل 25% من الناتج المحلي الاجمالي ضربات كبيرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، مع استهداف المطارات والموانئ بصواريخ المقاومة، إلا أنّ إغلاق باب المندب أمام السفن المتجهة إلى الكيان أصاب مرفأ إيلات بشلل كبير وشبه كلي، كون مئات السفن تصل إليه عبر المضيق شهريّاً، ويُعَدّ الشريان الاقتصادي الأساسي لـ70% من الأمن الاقتصادي الاجتماعي في “إسرائيل”.
ختاماً، إنّ اقتصاد “إسرائيل” بعد 7 تشرين الأول (اكتوبر) 2023 لن يكون كما قبله، وعمليّة “طوفان الأقصى” أدخلت العامل الاقتصادي المؤلم للواقع الاجتماعي في صلب المواجهة.
والنتائج تؤكّد أنّ أساس “القوّة” والاستمراريّة لاقتصاد الكيان، الذي بُني بموجب استثناءات، مرتبط بتدمير كل اقتصادات دول الطوق والمنطقة وتجويع شعوبها. واستمرار العدوان سيُثبت عاجلاً أو آجلاً أنّ الاقتصاد الإسرائيلي إلى انهيار وإلى انتحار سياسي، والنتيجة الأولى سقوط مشروع الاستيطان الاقتصادي.