مخيمات غزة… جغرافيا الألم والأمل
الأخبار- حكزة البشتاوي
في سنة النكبة، أي في عام 1948، تهجّر قسرياً نحو 200 ألف فلسطيني إلى قطاع غزة، صاروا لاجئين، وكان يسكن القطاع حينها نحو 80 ألف فلسطيني. على مرّ أكثر من 76 عاماً، ازدادت أعدادهم في القطاع، حتى وصلت إلى 2.2 مليون فلسطيني، معظمهم من اللاجئين، (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2024).
يسكن عدد من لاجئي القطاع في 8 مخيمات (جباليا، الشاطئ، المغازي، البريج، النصيرات، دير البلح، خانيونس ورفح)، والبقية في المدن، علماً أن المخيمات تقع قرب المدن الرئيسية والمراكز الحضرية، ولا سيما أن قطاع غزة مساحته الحالية نحو 365 كم2. مثلاً، يقع مخيم جباليا في الشمال الشرقي لمدينة غزة، على مسافة كيلومتر واحد من الطريق الرئيسية (غزة – يافا)، أمّا مخيم الشاطئ فيقع على شاطئ البحر المتوسط، ويبعد حوالي 5 كم عن مركز المدينة. وفي وسط قطاع غزة ضمن المحافظة الوسطى، تقع مخيمات المغازي والنصيرات والبريج ودير البلح، وإلى الغرب من خانيونس يقع مخيم خانيونس. وفي قلب رفح جنوب قطاع غزة يقع مخيم رفح، ويحدّه من الجنوب الحدود الفاصلة بين جمهورية مصر العربية وفلسطين.
وتبلغ مساحة المخيمات الثمانية نحو 6,5 كم2، وتعدّ الكثافة السكانية فيها هي الأعلى في العالم. وفي هذه المخيمات تتشكّل فسيفساء جغرافيا فلسطين الملوّنة، بالذكريات وأمل العودة، وهي تُعتبر قضية أكثر مما هي أمكنة، ففيها يرى الفلسطينيون كل المخيمات منفى، وكل فلسطين وطناً.
والمخيمات بالنسبة إلى الفلسطينيين، ليست حيزاً جغرافياً مؤقتاً فقط، بل هي جزء من المكوّنات الأساسية للكفاح الفلسطيني، من أجل محو كل آثار النكبة التي بسببها أنشئت تلك المخيمات، التي يبلغ عددها داخل فلسطين وخارجها 61 مخيماً رسمياً (في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولبنان، وسوريا، والأردن)، أي معترف بها من قبل «الأونروا»، كما أن هناك مخيمات غير معترف بها رسمياً. لكن ما ينطبق عليهم جميعهم، أنهم أقاموا في حيز جغرافي ضيق. ورغم قساوة العيش، والفقر، والقهر، ما زالت هذه المخيمات تقوم بدورها كحاضنة طبيعية للثورة والعمل الفدائي الذي يسكن قلوب أبنائها وذاكرتهم المليئة برائحة البارود، والرافضة لمشاريع التوطين والتهجير والهزيمة والانكسار.
ومنذ بداية الحرب الحالية على قطاع غزة، بعد «طوفان الأقصى»، تتعرّض المخيمات الثمانية في قطاع غزة إلى التدمير الواسع، حالها حال باقي أنحاء القطاع، إذ يدفع السكان نحو التهجير والنزوح القسري، وهذا الأمر تكرّر أكثر من مرّة. إلا أن السكان متمسّكون بأماكنهم، يريدون البقاء فيها. لذا استخدم جيش الاحتلال الأحزمة النارية التي حوّلت المنازل والأحياء والأزقة والشوارع إلى ركام.
ويخشى جيش الاحتلال من المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة ودول الطوق، ومن دورها وصمودها، ولكونها صاحبة التاريخ والجغرافيا الخاصة الدائمة الفعل والحضور والاشتعال.
وقد كان الاحتلال قد بدأ استهداف المخيمات الثمانية في قطاع غزة منذ إنشائها، من خلال مشاريع التوطين والتهجير التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي، فتعرضت هي والقطاع والضفة كذلك، مرة للترغيب عبر البرامج الناعمة، ومرة للترهيب عبر شن الحروب والمعارك، إضافة إلى المجازر المتكررة، ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وكذلك التدمير الكلي للمنازل والبنى التحتية، بهدف إحداث تغيير جغرافي وديموغرافي في قطاع غزة ومخيماته، ورسم خريطة عمرانية وسكانية جديدة، بعد عمليات التدمير والتهجير. وذلك للسيطرة على المخيمات وإنهائها، باعتبارها خزان المقاومة والنضال الفلسطيني، فلم تستسلم ولم تحبط، فكما أن الأرض هي جوهر القضية الفلسطينية، فإن الإنسان الفلسطيني واللاجئ ضمناً جوهر في جوهر الأرض.