أبرزمقالات

وديع حداد: قائد بمساحة الوطن وقُدسية القضية

المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان-* محمد العبدالله

 – ” وديع حداد، السنبلة التي نبتت في صفد، وعندما جاء الغزاة وجدوا السنبلة رمحا ” 1.

  جورج حبش

 – “أكبرُ ظلمٍ يمكن أن نعبّر عنه هو ما يعبِّر عنه المقهورون اليوم ــــ أكانوا أعضاءً في الجبهة الشعبيّة أمْ أناسًا عاديين ــــ وأعني: حاجتَهم اليوم إلى وديع حدّاد وما يمثّله!” 2.

     ماهر اليماني

    مدخل

في الذكرى السادسة والأربعين لاستشهاد القائد الفذ الدكتور وديع حداد 28 / 3 / 1978، نقف في الحركة الوطنية الفلسطينية، وحركة التحرر العربي والأممي، أمام سيرة رجل، ولا كل الرجال.

 كَبُر الفتى، المولود في مدينة صفد 21/7/1928 عاصمة الجليل المحتل، تلقى دروسه الابتدائية في صفد، والثانوية في حيفا التي عمل فيها والده مُدرسا للغة العربية، وطوال سنوات تعليمه في المرحلتين، الابتدائية والثانوية، كان معروفا بتعرضه للجنود الإنكليز، وتخريب مركباتهم في كل مكان أقامت فيه عائلته. التحق بالجامعة الأميركية في بيروت عام 1946 لدراسة الطب. وهناك التقى جورج حبش القادم من مدينة اللد، والكويتي أحمد الخطيب اللذان انتسبا لكلية الطب أيضا. وقد تأثر الطلبة الثلاثة بالأفكار القومية والتحررية لكل من: قسطنطين زريق وساطع الحصري، وتعرفوا على عدد آخر من الطلبة العرب الذين تشاركوا معهم بتلك الأفكار والتوجهات داخل الجامعة من خلال ” جمعية العروة الوثقى”، وقد ساهم غالبيتهم بتشكيل إطار ” الشباب القومي العربي” الذي كان الأساس التنظيمي لانطلاقة “حركة القوميين العرب” التي كان الطلبة الثلاثة أبرز قادتها على مدى السنوات اللاحقة. ما بين الموقع القيادي الريادي، في الحركة وفي “لجنة / إقليم فلسطين “، والجبهة الشعبية، وصولا لقيادة ” المجال الخارجي / جهاز العمليات الخارجية ” في الجبهة، تكون مسيرة القائد قد اكتملت، فلسطينيا وقوميا وأمميا.

    رجل المهام الاستثنائية

أعطى ” الخال” – كما كان لقبه المتداول –  للعنف الثوري المنظم، فكراً وممارسةً، أبعاده الكفاحية الميدانية، داخل فلسطين والإقليم والعالم خاصة، حوامله التنظيمية التي امتدت من شرق آسيا ” اليابان ” حتى أميركا الجنوبية، لأنه ورفاقه، وعدد كبير من القوى الثورية وحركات التغيير الراديكالية في العالم، باتوا أكثر قناعة بأن خط المواجهة والاشتباك مع المستعمرين، وضرب مراكز ومصالح الإمبريالية، هي أقصر وأنجع الطرق لإلحاق الهزيمة بهم.

كان “أبو هاني” قائداً ثورياً استثنائياً، كما قال عنه رفيق دربه، وتوأم روحه الكفاحية على مدى عدة عقود، الحكيم جورج حبش، لأن ” حبش من دون وديع حدّاد، ووديع حدّاد من دون حبش، كان بمثابة المعادلة الناقصة، أو المزيج الكيميائي الخالي من العنصر المُحفّز” 3. تلك “الاستثنائية” كانت نتاج روح الثورة التي ظلت نبض القلب ونهج الحياة والنضال. هكذا، قرأ وفهم ” الخال ” كيان الغزاة المحتلين، كأحد أشكال الاستعمار الاقتلاعي، الإجلائي، والاستيطاني، وفي مواجهة هذا النموذج العنفي والدموي، نحت في العقل الجمعي، الشعار الذي تفرد بصياغته وتنفيذه ” وراء العدو في كل مكان ” بدءا من فلسطين وانتهاء بكل المراكز والأدوات التي يمتلكها ويستخدمها الغزاة الصهاينة.  لهذا، بدأ ببناء وتشبيك دوائر النضال المشتركة: القطرية، والقومية، والأممية، لأن قضية تحرير فلسطين في نضاله اليومي، ليست مسألة ” قطعة أرض” أو ” جناحي الوطن “، فقط، تُقام عليها سُلطة إسمية، مُستباحة، ومنزوعة السيادة. كانت قضية تحرير فلسطين التي وهبها عقله وحياته، كما قال ” أنا بلدي اسمها صفد… لا أقبل إن عُرضت علينا كل فلسطين باستثناء صفد، وأرفضها إذا عُرضت مع صفد واستُثني منها بيتي، وأرفضها إذا عُرضت مع صفد وبيتي واستُثني منها شبر واحد. هذه هي مواقفنا وهذا هو مشروعنا للتحرير. خطنا هو حرب الشعب الطويلة الأمد وسياسة الاستنزاف التي ستؤدي إلى إصابة الجسم الإسرائيلي القوي بفقر الدم والانهيار”.

    دروس المعلم للأجيال

اليوم ونحن نحيي ذكرى رحيل جسد وديع حداد، علينا إعادة استلهام دروس تجربته خاصة، في العمليات العسكرية، والإجراءات الأمنية / اللوجستية، بهدف تطوير أشكال المواجهة مع ” العدو في كل مكان “على ضوء التطورات الميدانية في أكثر من ساحة اشتباك، لأن جبهة الأعداء وفي مقدمتها جيش وميليشيات المستعمرة / الثكنة، تمارس على مدى ستة أشهر تقريبا، حربا تستهدف البشر والشجر والحجر في إعلان واضح بأن ” العدو وراء الشعب في كل مكان” من أجل تصفيته وسحقه، أو اقتلاعه وإجلائه عن وطنه. في مواجهة ذلك، فإن المقاومة والشعب يُقدمان نموذجا استثنائيا في الاشتباكات المسلحة مع جيش العدو، وفي الثبات والتجذر على أرض فلسطين، وفي القلب منها ” غزة “، ويصنعان تاريخا جديدا ابتدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ليعيد لقضية التحرر الوطني الفلسطينية، مكانتها في الإقليم والعالم، وليعري، أنظمة الخيانة التي تحولت لشريك في جريمة الإبادة، وليفضح حكومات النفاق في العالم ” الحر” التي أوكلت لذاتها حصريا، حماية ” حقوق الإنسان ” التي تحرص عليها في بلدانها طالما أن شعوبها لا تتمرد على منظومة التحالف الطبقي المهيمنة. أما شعوب الجنوب، التي تسعى للتحرر من الاستعمار والهيمنة والنهب، فهي “خارجة على القانون ” و” حيوانات بشرية ” في تعريفات الإمبريالية الأمريكية وتوابعها.

 خاتمة

  في هذه الأيام، تعود ” صفد ” لتحتل مكانا بارزا في شريط الأخبار، فالمقاومة اللبنانية الباسلة، تدك بصواريخها، وطائراتها الانقضاضية المسيرة، معسكرات ومراكز جيش العدو المتمركزة في قمة ” جبل الجرمق” المُطِّل عليها، وعلى مستعمرات الغزاة المستوطنين بالمنطقة، مشاركة ً ودعما للمقاومة والشعب في غزة الباسلة.

إن ذكرى رحيل القائد مناسبة لاستلهام دروس النهج الكفاحي الذي قاده من خلال نقل النظرية من حيز الفكرة إلى ميادين التطبيق. لم يظهر” أبو هاني” على منصات عرض الأفكار والنظريات المعلبة، ولم يكن مسكونا ب ” الأنا ” المرضية المتضخمة، التي لازمت – ومازالت – ” قيادات الصدفة “، لأنه عاش في الظل بعيدا عن الأضواء، زاهدا، متقشفا، ومرهف الأحاسيس.

1 – مقتطف من كلمة نعي ” الحكيم ” لرفيق عمره، ودرب نضاله. صحيفة صوت الثورة الأسبوعية – الصادرة عن اللجنة الإعلامية للجبهة الشعبية لتحرير عُمان – 15 / 4 / 1978.

2 – حوار ” يسري الأمير” مع القائد العسكري، الراحل ” ماهر اليماني”، موقع مجلة الآداب اللبنانية – 17 / 3 / 2017.

3 – أسعد أبو خليل – ظاهرة وديع حداد – جريدة الأخبار اللبنانية – السبت 4 كانون الثاني 2014.

*  كاتب وسياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى