أبرزحوار وشخصيات

تحرير الأسرى مقدمة لتحرير فلسطين

أحمد أبو السعود

نشرت في مجلة الهدف العدد(68) (1542)

سياسة الاحتلال هدفها تدمير الإنسان الفلسطيني ودفعه للهجرة عن وطنه، ولما فشلت تلك السياسة استخدموا سياسة القتل والإبعاد والاعتقال ومصادرة الأراضي وكل أمر يدفع الفلسطيني ليرحل أو يتم ترحيله عنوة. كل سياسات الاحتلال اتجاه شعبنا فشلت ولم تتمكن حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ بن غريون وحتى نتنياهو من كسر إرادة شعبنا أو دفعه للخنوع أو الاستسلام، فقاوم بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة ليقول للعالم نحن شعب لن نتخلى عن أرضنا ووطننا مهما كبرت وتعاظمت قوة العدو وداعميه، أو كبرت التضحيات. لقد أثبت أبناء شعبنا قدراتهم عبر الأجيال على مقارعة الاحتلال في معارك صغيرة وكبيرة وبطولات منظمة وارتجالية، فارتقى مئات آلاف الشهداء واعتقل أكثر من مليون فلسطيني إلى جانب المئات وربما الآلاف من أبناء أمتنا العربية وغير العربية.

وكلما تقدم عمر الاحتلال كثرت أعداد الأسرى في سجونه القميئة، حتى ضمت جدران السجون خلال معركة طوفان الأقصى عشرات الآلاف من الأسرى والمعتقلين، فما كانت عليه سياسة الاحتلال خلال المعركة، عكست جوهر الصهيونية وهو الإجرام بكل الأشكال، فأهم هدف رسموه قتل الأسير جسدياً ومعنوياً لذلك ارتقى شهداء من الأسرى خلال المعركة في السجون أكثر من خمسين شهيداً ومن المعتقلين من غزة أعداد لا حصر لها، ثم تمثل القتل المعنوي بمحاولة منع إمكانات الحياة فصادروا الملابس باستثناء ما يلبسه الأسير على جسده منذ السابع من أكتوبر ولغاية الآن، والحرمان من الطعام حتى فقد الأسرى أكثر من نصف أوزانهم، وتقليص كمية الماء إلى قنينة لأكثر من عشرة أسرى في الغرفة للشرب، وكمية محدودة خلال ساعة واحدة باليوم للحاجات الأخرى حتى أصابتهم الأمراض وأشهرها مرض الجرب والذي أدى لاستشهاد بعض الأسرى بسببه، ثم الضرب بلا حدود إلى حد القتل، فمعظم من استشهدوا ارتقوا جراء الضرب داخل السجون. إلى جانب سياسة العزل والإهانات والإذلال والشتائم، تحديد الحركة بساعة خلال اليوم، والازدحام في الغرف والزنازين. ومارس السجان كل ما حلم به من وسائل إجرامية المدعو (بن غفير) وزمرته تفننوا في تطبيقها حتى اللحظات الأخيرة من تحرير الأسير يمارسونها عليه، وقد أشار بعض المحررين عبر لقاءات فضائية إلى حجم الألم والقهر والإذلال والعناء من ممارسات السجانين، لكن هل فقد الأسرى ثقتهم بشعبهم أو بمقاومتهم؟ أبداً فقد خرجوا يمجدون المقاومة ويهتفون لها ومن كل الفصائل بدون استثناء، فهم جزء من المقاومة، لكل أسير مشوار في ميدان المواجهة مع الاحتلال قبل الأسر وبعده، وهذه دلالة أن شعبنا حي وسيبقى يقاوم حتى تحرير الوطن كاملاً.

الصورة المقابلة كيف خرج أسرى العدو من سجون المقاومة في غزة، لم تدلل سوى أن المقاومين احترموا وقدموا كل ما يمكنهم تقديمه رغم فداحة الظروف ليخرجوا بصورة حسنة وممتنين للمقاومة التي حافظت على حياتهم، ألا يعبر ذلك عن المستوى الإنساني والحضاري الذي تتبؤه المقاومة مقابل الوحشية والإجرام وانعدام الأخلاق والإنسانية لدى الاحتلال؟

فلا يوجد في التاريخ احتلال لديه صفات إنسانية، والاحتلال الصهيوني من أسوأ أشكال الاحتلالات، فجيش يجيز القتل لكل فلسطيني طفلاً أو امرأة أو شيخاً أو مدنياً ويدمر كل شيء، ويمارس السرقة، ويمارس جنوده الاغتصاب للرجال والنساء وقتل عشرات آلاف الأطفال لا يمكن أن يكون إلا مجرماً وتعبيراً عن كيان صهيوني عنصري مجرم، مستقبله مزبلة التاريخ مع كل داعميه والمدافعين عنه.

في المرحلة الأولى على طريق استكمال تحرير 396 أسيراً مؤبداً، ربما من يقرأ الرقم يراه مجرد رقم، لكن حقيقته 396 عائلة تم اعادتها للحياة و396 أماً وزوجة وأكثر من الأخوة والأخوات اعتقدوا أن ابنهم نهايته الاستشهاد، بل 396 إنهاء لمعانيات عاشوها طوال عشرات السنين، فأعيدوا إلى الحياة، بل أن الملايين من شعبنا وأحرار العالم غمرتهم السعادة والفرح بمشاهدة هؤلاء الأبطال يعانقون الحرية والباقي على الطريق في المراحل القادمة.

ما سمعه أبناء شعبنا والعالم من كلمات أطلقها بعض الأسرى فور تحريرهم تدلل أن هؤلاء المحررين سوف يقدمون إضافة نوعية للمقاومة والمعارك القادمة، فمع تجذر المقاومة وثبات شعبنا على الإمساك بحقوقه حتى الاستشهاد، ستستمر المقاومة حتى استئصال الكيان الصهيوني بحرب تراكم الانتصارات حتى تحين الضربة القاضية ويتم اقتلاعه إلى الأبد عن أرض فلسطين. وقد أثبتت عمليات تحرير الأسرى أن مساحة يشغلها المحررون سواء في ميدان المعركة أو مواقع القيادة والأمثلة لا تحصى أبرزهم القائد الشهيد يحيى السنوار، فمن تشرب الثقافة والفكر والبطولة وأحال السجن إلى مدرسة ثم جامعة وهزم السجان في كل معاركه داخل السجون سيبقى يناضل حتى الاستشهاد أو التحرير، فالأسرى أجيال تتوالى وتكبر ويكبر عطاؤها في مسيرة التحرير .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى