الجاغوب للهدف: “لا تقبل إلا أن تكون استثنائيـًا يجب أن تحاول صناعة اللحظة ألا تقبل بالأمر الواقع”

بوابة الهدف* محمد أبو شريفة
هو نموذج المناضل المثقف المشتبك والذي عانق الحرية في صفقة طوفان الأحرار، مجلة الهدف وفي الأيام الأولى للحرية تحاور الرفيق المناضل وائل الجاغوب الذي قضى أكثر من عقدين في الأسر ضمن جولة أفق حول ظروف الاعتقال في سجون الاحتلال خاصة بعد السابع من أكتوبر والوقوف أمام تجربة الحركة الوطنية الأسيرة، و دور الأسرى في صياغة رؤية وطنية موحدة، ومآلات المشروع الوطني التحرري في ظل حرب الإبادة بالإضافة الى استخلاص الدروس من تجربة الأسر، ووصف مشاعر الساعات الأولى من الحرية.
ولد وائل نعيم أحمد الجاغوب، في 23 من مايو/أيار 1967، وتوفي والده عندما كان عمره 4 أعوام.
وفي 1992، اعتقله الجيش الإسرائيلي، وحكم عليه بالسجن 6 سنوات بسبب نشاطه المقاوم للاحتلال، ثم أطلقت سراحه في العام 1998 .
وبعد عام من اندلاع انتفاضة الأقصى في 2000، اعتقله الجيش الإسرائيلي مرة أخرى، حيث تعرض لتحقيق قاس، وحُكم عليه بالسّجن مدى الحياة، بتهمة تنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف للجيش الإسرائيلي ومستوطنين في محافظة نابلس.
وخلال سنوات أسره، تعرض الجاغوب، للعزل الانفرادي مرات عديدة، بسبب تأثيره على المعتقلين وبث الوعي ونتيجة للعزل حُرم الجاغوب من الزيارة عدة سنوات. ولم يكن الجاغوب، أسيرا فاعلا على المستوى التنظيمي فحسب، بل على مستوى الأدب والمعرفة أيضا.
حيث أصدر خلال سنوات الأسر عدة كتب، وشغل الجاغوب، نائب مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.
وتم الافراج عنه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي حيث أفرجت سلطات الاحتلال عن 200 أسير فلسطيني بينهم الجاغوب، مقابل 4 مجندات إسرائيليات.
– تجربة الحركة الأسيرة هي تجربة مبادرة والقدرة على صناعة اللحظة والتصدي للمهمة
– تم اعتماد عدة سياسات قمعية ضد الأسرى ما بعد 7 اكتوبر وكانت مريرة وطالت كل مكونات الأسرى
– باعتقادي أن تكون حلقتنا المركزية اليوم هي الوحدة من أجل صد العدوان
– نحتاج إلى يسار وطني فلسطيني ديمقراطي حقيقي، يمتلك برنامجا متعددا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا
– أكثر حرية وجدتها أني استطعت ان أعانق أمي بعد كل هذه السنوات من الانقطاع
– انشدادي الأساسي ليس أدبيا، إنما يتعلق في السياسية وبالفكر أكثر فأنا لست أديبا
أجرى الحوار : محمد أبوشريفة
1– هل تحدثنا عن تجربة الحركة الأسيرة في مواجهة الاحتلال؟
تجربة الحركة الأسيرة تجربة مميزة في مواجهه الاحتلال ولعلها من التجارب النضالية الهامة التي تشملها تجربة الحركة التحررية الوطنية الفلسطينية. وهذه التجربة تمتاز بأنها تتواجد أولا في واقع خاص، واقع المواجهة المباشرة اليومية مع المنظومة الاستعمارية وجها لوجه سواء بالشق المتعلق في المواجهة المباشرة والاشتباك المباشر في نقطة التحقيق أو نقطه الاعتقال داخل المعتقل. وتمتاز التجربة بأشكال مقاومتها اليومية الشاملة داخل الأسر بحيث أن الأسير الفلسطيني يواجه السجان ويحاول الأسير أن يمتلك ويسيطر على زمانه ويحاول أن يفرض واقعه وأن ينتج لحظته. حيث أن الأسير الفلسطيني يؤمن ويعي أن لحظته يجب أن يصنعها بنفسه دون انتظار وبالضرورة أن يكون مبادرا، و بالتالي تجربة الحركة الأسيرة هي تجربة مبادرة والقدرة على صناعة اللحظة والتصدي للمهمة وخلق واقعه بشكل آخر مختلف عما يسعى السجان إليه.
فالسجان يسعى إلى إيجاد واقع من أجل التجهيل ومن أجل كسر البعد المعنوي ومن أجل إعادة صياغة الوعي بحيث ينتج وعيا متأقلما، وبالمقابل الأسير يحاول أن يحافظ على إنسانيته أولا ويحاول أن يحافظ على قيمه ثانيا، ويحاول أن يحافظ على واقعه النضالي ثالثا، ويحافظ على وعيه رابعا وبالتالي فان نقطة الاشتباك تتم بين زمانين في واقع الاعتقال فهو واقع صغير ومحدود الحركة و يمثل نقطة اشتباك مركبة متداخلة لنقطة يقدم من خلالها الأسير العديد من التضحيات من أجل أن يكون منتصرا في هذه النقطة بحيث يدافع عن أبسط الأمور بشكل يومي في مواجهة السجان، و بالتالي فإن هناك ميزات عدة لتجربة الحركة الأسيرة ونضال الحركة الأسيرة ضمن خصوصية واقعها وبالتالي قراءتها بالضرورة أن تتم وفق قواعد تتعلق بخصوصية هذا الوضع. حيث لا يمكن قراءتها دون الحديث عن البرنامج أولا والذي يمتاز به الأسرى فهو برنامج ثقافي ، برنامج إداري ،برنامج يومي ، برنامج حياتي و برنامج اجتماعي ينظم سلوك الأسرى أو مجتمع الأسرى داخل المعتقل ويحافظ على جهود العمل والفعل الجماعي بشكل منظم وبالتالي البرنامج هام جدا بالقراءة . والنقطة الثانية هي نقطة الوعي هي التي تحكم البرنامج وهو الوعي الثوري التغييري الذي يمتاز به الأسرى بشكل أساسي وهي من أهم النقاط عندما نتناول الحديث عن الحركة الوطنية الأسيرة.
وفي الخلاصة، فإن تجربة الحركة الأسيرة هي تجربة مميزة ورائدة، ويمكن الاستفادة منها بشكل عالي جدا، وباعتقادي أن الاستفادة منها يكون من خلال المبادرة التي امتازت بها فهي لم تكن خاملة ولم تكن غير مبادرة وكان هناك حراك دائم ووعي دائم ولم يكن لديها أي التباس في تحديد من هو العدو، والحديث عن تجربة الحركة الأسيرة ومكوناتها ودورها أوسع من أن أشمله في عدة سطور أو عدة دقائق لأنها تجربة ترتبط بنضال الشعب الفلسطيني، وتمثل نقطة اشتباك متمايزة بتجربة حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
2 – ماذا عن تجربة الاعتقال بعد 7 اكتوبر 2023؟
لعل الحديث عن تجربة الاعتقال ما بعد السابع من أكتوبر تمثل بشكل أو بآخر محطة متمايزة أخرى حيث تم إعلان الحرب والعدوان على الحركة الوطنية الأسيرة داخل السجون، و تم إعلان الحرب على الإنسان الفلسطيني القابع في المعتقل، و تم إعلان الحرب بشكل مباشر ومن اللحظة الأولى ومن الساعة الأولى كما تم إعلانه على كل أبناء شعبنا في كل مكان أولا في غزة وفي كل المواقع الأخرى.
هي حرب على الكل الفلسطيني لكن الحركة الأسيرة نالت نصيبا عاليا من هذه الحرب و أعادتها إلى نقطة الصفر بمعنى تجريد الأسرى وانتزاع كل إنجاز حققه الأسرى على مدار سنوات واستهداف الإنسان الفلسطيني. المسألة تتعدى شروط الحياة، ما تم بعد السابع من اكتوبر هو استهداف للمناضل الفلسطيني القابع داخل المعتقل من خلال عملية شاملة طالت كافة الجوانب من الحصار والتجويع من العزل والقطع عن العالم الخارجي بشكل دائم، من إنهاء وتقديم أي رعاية أو متابعة طبية بل على العكس محاولة تعميق الأمراض وخلق الظروف التي يمكن من خلالها أن تتهاوي هذه الأجساد بالمرض وإيقاف العلاج والأدوية اللازمة بالإضافة إلى الإعتداء بالضرب الدائم أو تكريس حالة من الخوف ما بين الأسرى ووصولا إلى حالات القتل والتي تجاوزت أكثر من 60 شهيدا في الحركة الأسيرة وبالتالي الحديث يدور عن استهداف شامل.
لقد تم اعتماد عدة سياسات قمعية ضد الأسرى ما بعد 7 اكتوبر وكانت مريرة وصعبة وقاسية طالت كل مكونات الأسرى سواء كانوا رجالا أو نساء، صغارا أو كبارا. لم يتم التمييز كانت التعامل مع الجميع بشكل وحشي وبمثابة جريمة حرب متكاملة الأركان.
وهذه الجريمة لا يمكن الحديث عنها فقط بمنظار القانون الدولي ولكن يمكن التحدي أنه بالقوانين التي وضعها المستجتمع الصهيوني نفسه تعد جريمة حرب تمت داخل المعتقل بحيث أنه أصبح لكل سجان قانون، ولكل سجن قانون فالسجان يمكن أن يعتدي عليك بالضرب ويمكن أن يقتلك دون أن يتم سؤاله أو محاسبته أو التوقف أمامه. والمسألة الأخرى التي كانت مهمة داخل المعتقل الصهيوني هي محاولة تجريد الأسير الفلسطيني من إنسانيته بحيث إفهام السجان أننا ” مخربين” ، هذا الحديث لم يكن بشكل واضح قبل 7 أكتوبر.
ما بعد السابع من أكتوبر أصبح الحديث عن “مخرب” وبالتالي التجريد من بعدك الإنساني وإعادة إنشائك ك”مخرب” والسماح بقتلك وبالتالي نظرة السجان أنه يمكن أن يقتلك دون أن يكون له حتى أي أدنى تأنيب ضمير .
نتحدث عن ظروف صعبة جدا وخطيرة جدا، ومعاناة آلاف الأسرى ما تزال قائمة والخطر يهدد حياتهم ونحن يمكن أن نتابع حالات الاستشهاد والإصابات بحيث لم يخرج أسير فلسطيني دون كسور ودون اعتداءات ودون آثار نفسية مختلفة. وهنا نتساءل ما الهدفية من بعد 7 أكتوبر باعتماد هذه الإجراءات؟
أولا فقدان الأمل بشكل كامل متكامل وبالتالي الدخول في حالة يأس والثانية فقدان الثقة في المقاومة وخيار المقاومة، والثالثة فقدان الثقة في القيادة السياسية للمقاومة وهذا ما يمكن أن يدفع الأسير في مرحله ما أن يضع حدا لحياته وأن يحاول الانتحار وفق تجارب سابقة كانت موجودة في مناطق أخرى من العالم. تجربة الحركة الأسيرة لم تكن بهذا الشكل فالأسير الفلسطيني تمكن من الصمود والصبر و استطاع أن يواجه كما يجب حيث كان يدرك أن هذه الساحة إحدى ساحات المواجهة والمعركة، وبالتالي استطاع أن يصمد ما بعد السابع من أكتوبر لكن إجراءات ما بعد 7 أكتوبر بالضرورة أن يتم الوقوف أمامها و تسجيلها وتوثيقها وملاحقة كل من كان مسؤول عنها.
3– كيف تقيم دور الأسرى في صياغة رؤية وطنية موحدة؟
باعتقادي أن للأسرى دورا هاما في صياغة الرؤية الوطنية الفلسطينية و ما نحتاجه اليوم بشكل رئيسي هو الخطاب الوطني خطاب الهوية الوطنية وخطاب الثقافة الوطنية وخطاب الوحدة الوطنية.
وباعتقادي أن تكون حلقتنا المركزية اليوم هي الوحدة من أجل صد العدوان وهذا العنوان الرئيسي وهذا ما ينظم خطاب الأسرى وغالبية الأسرى المحررين يدركون أهمية الوحدة الوطنية ويعون أنها رافعة الانتصار. دون وحده وطنية لا يمكن أن نستطيع تحقيق أي إنجاز، ولا يمكن أن نستطيع أن نصد هذا العدوان ونتصدى له بكفاءة ودون ذلك سنبقى بحالة من التشتت والترهل والإرباك والإرتباك وبالتالي فإن هناك حاجة ملحة لإعادة صياغة الحالة الوطنية راهنا ضمن تشكيل قيادة وطنية مؤقتة للشعب الفلسطيني التي تنتظم على قاعدة هدفية واحدة هي صد العدوان . وأيضا تشكيل حكومة ائتلاف وطني متوافق عليها وطنيا بصيغة ما من أجل وحدة جغرافيا الوطن الضفة القدس وغزة، وأن تقوم على إعادة إعمار غزة، وأن تمثل حالة ميدانية يمكن الإرتهان والعمل عليها وبالتالي تعمل وفق أهداف محددة لنظم الحالة الداخلية وتعميق سيادة القانون في مواجهه الفساد ، وبعد ذلك الترتيب والتحضير من أجل انتخابات فلسطينية لكل الشعب الفلسطيني بكل أماكن تواجده على طريقة إعادة ترتيب وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة هيكلة المؤسسات بشكل صحيح كعنوان للشعب الفلسطيني وبوصف منظمة التحرير الشخصية الهامة التي يجب الحفاظ عليها وطنيا، وهذه المسالة هامة جدا وهي انجاز الوحدة الوطنية الآن بكل المكونات دون استثناء أحد .
4– إلى أين ترى المشروع الوطني التحرري يسير وخاصة في ظل حرب الإبادة؟
إشكالية المشروع الوطني التحرري إشكاليات متعددة منها أولا الحديث عن القضية، فعندما نتحدث عن القضية الوطنية الفلسطينية نتحدث عن مجموعة مركبات، المركب الأول في القضية هو الإنسان وأن يكون كل الاهتمام والاستثمار بالإنسان الفلسطيني وكل الحفاظ والرعاية والتنمية هي للإنسان الفلسطيني. المركب الثاني هي الأرض ولا يمكن الحديث عن قضية دون الحديث عن علاقة هذا الإنسان بالأرض وعن جدلية هذه العلاقة فيما بين الإنسان والأرض، والمركب الثالث لهذه العلاقة هو الوعي والذاكرة، وتاليا نحن نتحدث عن ثلاث مركبات أساسية تمثل المرتكز الرئيسي للمشروع الوطني الفلسطيني الذي يعاني من أزمة عدم الإنجاز الذي لم يتحقق ولم يتم انجاز المهمة وهي مهمة التحرير. وأيضا هذا المشروع الوطني الفلسطيني عانى من أزمة الإنسان و دوره ومكانته وكيف نرى الفلسطيني داخل هذه المشروع التحرري؟ .
بإعادة صياغة برنامج التحرر الوطني الفلسطيني ومن خلال مشاركة الجميع بالحوار بحيث لا يمكن أن نعيد صياغة هذا البرنامج دون الوحدة الوطنية ووحدة الشعب الفلسطيني بكافة أماكنه على قاعدة وجود 15 مليون فلسطيني، والعمل على تقييم التجربة ضمن السياق التاريخي واستخلاص العبر والدروس، إن مشروعنا الآن في مأزق ويجب أن نعي هذا المأزق ونعي مفاعيله .
فيما يتعلق بالإبادة ، إن المشروع الصهيوني وعلى مدار أكثر من 75 عاما يعمل من أجل التخلص من الشعب الفلسطيني وتفكيك الشعب الفلسطيني وهو مشروع تطهير عرقي وتهجير وهو مطروح الآن على الطاولة وبالتالي فإن خطر الإبادة يجب أن يحفزنا على المواجهة وعلى إعادة صياغة المشروع الوطني التحرري.
5– كيف تفسر السلوك الإجرامي للكيان وانكشاف باطنه الوحشي؟
نحن نتحدث عن مشروع صهيوني يحمل كافة مواصفات المشاريع الاستعمارية التقليدية ، يضاف له خصوصية ممارسته الوحشية وبالتالي ما تم من وحشية لا أعتقد إنه غريب عن جوهر هذا المشروع، لأنه قام وما زال على قاعدة التخلص من الفلسطيني وإشكالية هذا المشروع إنه لم يستطع تحقيق هذه المهمة، لم يستطع تفكيك الفلسطيني، لم يستطع طرد الفلسطيني، لم يستطع إبادة الفلسطيني، الفلسطيني ما زال موجود على أرضه، يحافظ على ذاته وما زال متشبث بأرضه ويحافظ على ذاكرته ويناضل ويقاوم، وبالتالي المأزق الحقيقي للمشروع الصهيوني هو أنه لم يستطع أن يهزم هذا الفلسطيني لذلك يلجأ إلى الجريمة فهذا المشروع تأسس أصلا على الجريمة وقام أصلا على الجريمة، وبالتالي ليس هناك استغراب أو غرابة أو محاولة اندهاش من السلوك العدواني الذي تم وهذا الأمر بنيوي في تعامل هذا الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني، الجريمة لم تتوقف منذ العام 1948 و ما قبل ذلك ولم تتوقف حتى يومنا هذا بحق الإنسان الفلسطيني الثابت على أرضه، هي جريمة مستمرة و متكاملة.
6- أين اليسار الفلسطيني من قراءة مجريات الأحداث في فلسطين ودول الإقليم، وما هو المطلوب من الجبهة أمام كل تلك التحديات؟
اليسار بتقديري الشخصي يعاني من أزمة وربما تكون هذه الأزمة الآن جدية وعميقة، وهي تحولت أيضا إلى مأزق، فاليسار الفلسطيني غادر مرحلة الأزمة الموضوعية، و أصبحت الأزمة بداخله بمعنى هناك ذاتية الأزمة لدى اليسار الفلسطيني التي أنتجت الحالة النخبوية اليسارية و أصبح وجودها مرهون بالأزمة، بمعنى استمرار الأزمة هو استمرار لهذه الحالة القيادية، بالتالي هذه الحالة القيادية أنتجت ثقافة الأزمة كما أنتجت ثقافة الفقر، و ثقافة قلة الحيلة وأنتجت مسائل أخرى مختلفة ، و بالتالي اليسار الفلسطيني يعاني من إشكاليات متعددة من الضرورة أن يتم الوقوف أمامها والحديث عنها لكن هل هناك أفق لليسار الفلسطيني؟ نعم، اليسار الفلسطيني ليس فقط قوة سياسية، فهي حالة لها أبعادها الاجتماعية و القيمية و الثقافية، ولها حيزاتها و مفاعليها المتعددة وهو يمثل تعبيرا عن إمكانيات وآمال ومستقبل، لكنه يحتاج إلى أن يعيد التفكير بشكل آخر، بحيث أننا نحتاج إلى يسار وطني فلسطيني ديمقراطي حقيقي، يمتلك برنامجا متعددا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا و يمثل خيارا ويمكن أن يمثل حالة من الاختيار الشعبي، وبالتالي لا يمكن أن يكون كذلك دون أن نحاول أن تتوجه بشكل جدي إلى الأجيال الشابة وإعطاءها الثقة، و المساحة وحرية التفكير والتعبير، و الدور القيادي، ولا يمكن أن يكون دور لهذا اليسار دون أن يعمق مشاركة المرأة ويكون جديا في موضوع مشاركتها وحضورها والابتعاد عن التفكير في منطق “الغوتات” ، وتاليا يقدم بدائل ويمثل حالة تمايز و حالة الاختلاف، هذا اليسار حتى الآن غير موجود، كيف يمكن أن نلعب دورا بتشكيل هذا اليسار؟ لا يمكن أن نلعب دورا بتشكيل هذا اليسار دون العمل على صعيد القواعد، ليس العمل على المستوى القيادي فقط أو النخب القيادية وبالضرورة أن نمتلك هذا الهدف، ونمتلك المشروع من أجل الوصول إليه من أجل تشكيل حالة يسارية في فلسطين، وهناك مقومات لهذه الحالة اليسارية التي يمكن أن تتشكل بمشاركة جمعية.
7- على الصعيد الدولي، هناك توجهات عدوانية للإدارة الأمريكية وحلفائها ومن جهة أخرى، هناك محاولات جادة لبناء محاور وأقطاب لمواجهة الهجمة الأمريكية، ما هو المطلوب فلسطينياً؟
هذا السؤال الأهم، فلسطينيا الآن ليس الإشكالية ماذا يقول الرئيس الأمريكي أو الإسرائيلي أو ماذا تقول بعض الدول في المنطقة؟ الإشكالية الآن ماذا يقول الفلسطيني، نتحدث عن الفلسطيني الذي يجب أن يقرأ المتغيرات القائمة على المستوى الدولي وعلى المستوى الإقليمي، نتحدث عن إعادة ظهور اليمين الجديد مرة أخرى، واليوم الظاهرة الترامبية يمكن الحديث عنها والتي تتمسك بشكل أساسي بفكرة اقتصاد السوق الليبرالية بشكل رئيسي ومحاولة إعادة تنظيم وصياغة الدور الأمريكي على مستوى المنطقة، والتعامل مع هذا الدور على مستوى المنطقة، وإعادة صياغة العالم وفق المصالح الأمريكية، ووفق مصالح هذا الائتلاف حتى مع حلفائه يحاول إعادة صياغة هذه العلاقة ، وعلى المستوى الإقليمي المقدم الآن هو محاولة ذبح الفلسطيني بشكل أو بآخر، لمصالح محددة إسرائيلية، ومصالح إقليمية، فما هو المطلوب منا كفلسطينيين؟ المطلوب أن نعلن عن البدء بالعمل بتشكيل جبهة مقاومة عربية وجبهة مقاومة إقليمية من أجل محاولة التصدي لهذه المشاريع، وهناك مشروع خطير قادم يحاول إعادة صياغة وتشكيل دول المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية و المصالح الإسرائيلية وليس خارج هذا الإطار، وبالتالي هناك قوى إقليمية في المنطقة تنسجم وهذا التشكيل، فأنت المطلوب منك الآن أن تحاول صياغة ائتلافات أخرى.
8- بعد التحرر من قيد 24 عام في الأسر، صف لنا الليلة الأولى من الحرية؟
الليلة الأولى في الحرية هي الدرس الأول في الحرية .. الحرية مفهوم شامل لا يمكن تجزئته أحيانا، لكن يمكن أن تحيا الحرية في التفاصيل ويمكن أن تعانقها بعد هذا الغياب الطويل، يمكن أن تجد الحرية في عناق والداك، وأكثر حرية وجدتها أني استطعت ان أعانق أمي بعد كل هذه السنوات من الانقطاع، بعد هذا المنع، تلمست الحرية من خلال أبناء أشقائي وشقيقاتي، تلمست الحرية من خلال إعادة التواصل مع هذا المحيط الذي اقتلعت منه ، تلمست الحرية من خلال قدرتك على أن تحيا تفاصيلك، وتسيطر على تفاصيلك اليومية بالتالي الحرية يمكن أن تحياها في تفاصيل مختلفة ويمكن أن تجد الحرية في عناوين مختلفة حتى الآن أنا أشعرها، وحتى الآن أنا أمارسها، والحرية الأساسية كيف أفهمها وأعيها ، هي وعي الضرورة في نمط ما هو المطلوب، وبالتالي أنا أعي هذه الحرية على صعيد ما هو المطلوب مني، وكيف يجب عليّ أن أتحرك؟ وماذا علي أن أفعل؟ وما هو الدور المطلوب مني الآن؟ وكيف يمكن أن أقوم بهذا الدور؟ وبالتالي أرى الحرية بهذا الإطار.
9- ما هو أهم درس استخلصته من تجربتك في الأسر؟
دروس التجربة في الأسر عديدة، منها تجربة الصبر و المبادرة و تعلمت من الأسر أن تكون مبادراً، و أن لا تنتظر أن تأتي اللحظة، أن لا تقبل إلا أن تكون استثنائياً، يجب أن تحاول صناعة اللحظة، ألا تقبل بالأمر الواقع أن تكون إنسانا يمتلك هدفا ويمتلك رؤية ويمتلك خطوات ومهام من أجل تحقيق هذا الهدف، بالتالي هناك خلاصات يمكن أن تتعلمها من الأسر منها الصبر والمبادرة، منها القدرة على بناء البرنامج، منها القدرة على تنظيم الحياة، ومنها الالتزام، كيف تكون إنسان ملتزم ومنها الانتماء والشعور بالآخرين ، ومنها قدرتك على أن تصيغ نفسك وخطواتك، بالتالي هناك دروس متعددة يمكن الحديث عنها مطولا فيما يتعلق بتجربة الأسر، وما يمكن للإنسان أن يحمل من هذه التجربة الهامة، و هذه التجربة الغنية.
10- أصدرت عدة كتب في سجون الاحتلال، هل سنقرأ إصدارا جديدا لك في الفترة القادمة، و إلى أي نوع من الكتابة ينحاز وائل الجاغوب، للأدب وفنونه أم للدراسات والفكر؟
بعد الاعتقال، صدر لي كتابين، “رسائل في التجربة الاعتقالية” و”أحلام أسيرة” وعدة دراسات وأبحاث ومقالات، ما سأنتجه في الفترة القادمة هو إنتاجين، إنتاج أول تم صياغته داخل الأسر، عن تجربة الحركة الأسيرة في المنظومة الاستعمارية بين الأعوام 2000 حتى عام 2020 إضافة إلى محاولة جمع بعض المقالات في كتاب وإصداره كاملا وسأحاول هذا العام إنجاز هذا الأمر، وأيضا سأكتب عن تجربتي في الحرية وتجربتي السياسية، لكن انشدادي الأساسي ليس أدبيا، إنما يتعلق في السياسية وبالفكر أكثر فأنا لست أديبا، أنا باحث في الشأن السياسي بشكل رئيسي، وباحث في الشأن الفلسطيني، والشأن المتعلق بالمستعمر الصهيوني، وبالتالي ميولي أكثر إلى هذا الاتجاه، وسأحاول قدر الإمكان أن يكون لي دورا في محاولة الإضافة في الثقافة الوطنية الفلسطينية وسأحاول قدر الإمكان أن أساهم بما أستطيع على هذا الصعيد.