
صلاح صلاح-مناضل وقيادي فلسطيني
بدأ مبكّرًا مقاتلًا في الجهاز العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي انتقل معها من قاعدتها الصلبة حركة “القوميين العرب”.
كان من المؤسسين الأوائل للقواعد العسكرية في غور الأردن، لينطلق منها للقيام بدوريات أو تنفيذ عمليات ضد مواقع العدو الصهيوني المحتل في الضفة الغربية، بالإضافة إلى نقل الأسلحة وتأمين تواصل الإمداد مع خلايا ومجموعات العمل السري التي تشكلت في العديد من مدن الضفة الغربية بعد النكسة عام 1967.
معركة الكرامة والانتصار الكبير الذي حققته فتحَ آفاقًا واسعة أمام التحاق أعداد كبيرة إلى العمل الفدائي، مما استوجب زيادة عدد القواعد العسكرية وانتشارها في مساحات واسعة في الأغوار والمخيمات المحيطة بالمدن الأردنية، تم تكليف المقاتل الشجاع أبو أحمد فؤاد مسؤولًا يتنقل على أكثر من قاعدة للعمل الفدائي في القطاع الأوسط من الأغوار.
عندما قلب النظام الأردني ظهر المجَنْ للعمل الفدائي وانتقل الملك من ادعاءاته بأنه “الفدائي الأول” إلى “العدو الأول”، اشترك الفدائي أبو أحمد فؤاد في جميع المعارك التي تحرش بها الجيش الأردني بمواقع الفدائيين، وصولًا إلى العدوان الوحشي فيما سميّ مجازر “أيلول الأسود” عام 1970، ثم حرب تصفية وجود العمل الفدائي في الأردن عام 1971 في جبال جرش وعجلون.
بانتقال الثقل الأساسي للعمل الفدائي إلى لبنان وما اقتضاه من إعادة ترتيب الأوضاع في الهيئات القيادية للجبهة الشعبية، تسلّم الرفيق أبو أحمد قيادة العمل العسكري مزودًا بتجربة غنية اكتسبها من دوره في ساحة الأردن، هذه التجربة استندت إلى دروس نظرية وعملية مستفادة من دورات متقدمة، بدأها في الجمهورية العربية المصرية في عهد القائد القومي عبد الناصر الذي في عهده وبالإتفاق معه قررت حركة القوميين عام ١٩٦٤ البدء بالعمل الفدائي شرط ألا يؤدي إلى توريط الجمهورية العربية المصرية في حرب ليست مستعدة لها لذلك، رفعت الجبهة في حينها شعار: “العمل الفدائي فوق الصفر وتحت التوريط.”
بعدها خضع لدورة في الصين التي اكسبته تجربة لا تضاهى في أسلوب حرب العصابات التي تري الجبهة أنه الأسلوب الأفضل للفلسطينيين في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتي ركزت بشكل أساسي على دور الجماهير صاحبة المصلحة في الثورة والحاضنة الشعبية الواسعة لتحقيق الانتصار .
استثمر الرفيق أبو أحمد فؤاد هذه الخبرة النظرية والعملية التي اكتسبها إلى أقصى الحدود، في تعامله كقائد بكل تواضع وبلا استعلاء على رفاقه المقاتلين، يستمع إلى ملاحظاتهم وآرائهم، يتفهم مشاكلهم الخاصة والنضالية ويعمل على معالجتها، ويكافئ المبادرين والمبدعين في الوقت نفسه، كان حاسمًا وقاسيًا في محاسبة أي عنصر يسيء إلى رفيق آخر أو يخرج عن المبادئ والقيم التي تحرص عليها الجبهة الشعبية في التعامل مع المواطنين.
المسلك اليومي الأخلاقي والتعامل مع الناس بكل أدب واحترام هو التزام الخروج عند خط أحمر لا يجوز تجاوزه.
كان الرفيق أبو أحمد قائدًا عسكرياً ميدانيًا يتواجد دائمًا مع المقاتلين، لا يفارقهم إلا للضرورات العمل لم يميزه عنهم سوى كونه صاحب القرار الذي يلتزم به قبلهم، ليكون قدوة لهم.
هنا يحضرني مثل من الاجتياح الاسرائيلي “لجنوب لبنان” عام ١٩٧٨ وكانت قوات الجبهة مسؤولة عن محور منطقة صور، وقد فوجئ القائد أبو أحمد بانسحاب قوات المقاومة من الفصائل الأخرى إلى ما بعد الليطاني لكن الرفيق أبو أحمد مع القيادة العسكرية رفضوا الانسحاب وأصروا على البقاء في مدينة صور التي كانت خالية من سكانها إلا هم يتعرضون والمدينة إلى القصف من القطع الحربية الإسرائيلية من عرض البحر ، وكان تقديره مع رفاقه أن العدو ينوي القيام بإنزال بحري إلى المدينة مع ذلك قرروا الدفاع عن المدينة بحياتهم.
بعد انتهاء الحرب شكّل وفد من مدينة صور زيارة للرفيق أبو أحمد والقيادة العسكرية لشكرهم وتقديرهم على موقفهم الشجاع الذي لم يحمِ المدينة من إنزال إسرائيلي لو لم يكونوا في داخلها فقط، وإنما لأنهم أيضا حموا ممتلكاتهم.
هاج غضب الأخ أبو عمار عندما علم بالإنسحاب غير المنظم وبدون تعليماته لقواته من الجنوب، وذهب بنفسه ليأمرها بالعودة، لكن بعد أن تمكّن العدو من احتلال مساحات واسعة من المحاور التي انسحبوا عنها، ثم شكّل قيادة عسكرية جديدة لمتابعة سير المعركة تحت مسؤولية الرفيق أبو أحمد فؤاد عضو المجلس العسكري الفلسطيني الموحد الذي كان برئاسة الأخ أبو عمار.
هذه هي مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية تخرج من ملحمة لتدخل بأخرى منذ الانتداب البريطاني إلى الاغتصاب الصهيوني إلى العدوان الرجعي العربي وصولا إلى بطولات شعبنا الفلسطيني في غزة العزة وفي الضفة الأبية، شعب أسطوري ومقاومة تحقق المعجزات هزيمة واضحة للعدو الإسرائيلي، لا يستطيع تغطيتها مهما حاول من وسائل الخداع والتضليل . حماس والمقاومة لازالت موجودة بكل عنفوانها تصدم العدو بمفاجأة تلو الأخرى ولم يستطع أن يسترجع أيا من أسراه إلا بموافقة المقاومة والتفاوض معها مع أنه يدّعي القضاء عليها ،وهذه مسيرة العودة المليونية من جنوب غزة إلى شمالها تفقأ عينه وتصيبه بالدوار.
في المقابل انتصار المقاومة بيّن لا مجال لتمويهه، نفرض على العدو الانسحاب الكامل من القطاع، إطلاق سراح الأسرى ، إعادة الإعمار، فتح المعابر ورفع الحصار ،اليوم الثاني يقرره الفلسطينيون المنتصرون .
علينا أن نفرح فرحا من الأعماق لهذا الانتصار العظيم الذي يتحقق في غزة لكن فلتبقَ عيوننا تنظر إلى ما يجري في الضفة التي سيحاول العدو أن يُدفّعها ثمن هزيمته في غزة مستعيناً بسلطة متهاوية متخاذلة .
نستذكر في هذا اليوم رحيل قائدنا ، ورمز ثورتنا ، ومنير طريقنا للثقة اللا محدودة بالشعب وقدرته على تحقيقه الانتصارات إذا توفرت له قيادة وطنية ملتزمة بتحقيق الأهداف لا تساوم لا تتنازل ، لا تتراجع أمام أي ضغوطات مهما كان مصدرها. قيادة شجاعة جريئة تعرف كيف تميز بين العدو والصديق وتتعامل مع کل منهم بما يستحقه.
نستذكر القائد القومي الأممي المؤسس لحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية د. جورج حبش يردد ” تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء، ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا “وفي كلمة للشعب الفلسطيني يحذر حكيم الثورة ” إن فلسطين هي الهدف الراهن والاستراتيجي، فلا تجعل من خلافاتنا وصراعنا الداخلية على السلطة الوهمية والتي هي تحت الاحتلال مجالاً لانتصار الآخر علينا “.