نائب الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق جميل مزهر: المقاومة هي التي فوّتت الفرصة على العدوّ، وهي أقصر الطرق لتحرير فلسطين
الرفيق جميل مزهر، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في حوار شامل لـ"صوت الشعب
![](https://pflp-lb.org/wp-content/uploads/2025/02/InterviewJamilMozherFPLP-1024x545-1.png)
صوت الشعب- تونس- حاوره علي الجلولي
مازال شعب فلسطين ومقاومته الباسلة يبهران العالم ويبعثان الفخر والاعتزاز لدى كل الأحرار في العالم، كما يثيران الحنق لدى أعداء الشعوب ومصاصي دمائها من الامبرياليين والصهاينة ووكلائهم. وها هي صور العودة في غزة الصمود تثبت للمرة الألف أنّ شعب الجبّارين ليس فقط شعب المعارك الشريفة والصمود الأسطوري، بل هو أيضا وأساسا شعب جدير بالتحرر والانعتاق. وها هي صفقة التبادل تثبت للعالم رقيّ المقاومة وعنجهية المحتل، فهذان النقيضان يعبّران حتما عن قيم متناقضة ومتناحرة.
لمواكبة هذه المستجدات على الساحة الفلسطينية ولإلقاء الضوء على ما يجري في المنطقة والعالم من تحوّلات نعطي الكلمة في هذا العدد من جريدتنا للرفيق جميل مزهر، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي أجاب على أسئلتنا بكل رحابة صدر رغم انشغالاته المكثفة كمكوّن أساسي من مكوّنات المقاومة الوطنية الفلسطينية.
بعد أكثر من 15 شهراً من العدوان تمكنت المقاومة من إبرام اتفاق لوقف العدوان وتبادل الأسرى؟ كيف تقيمون الاتفاق والوضع الحالي وكيف ترون آفاقه؟
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد أكثر من خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة هو ثمرة صمود شعبنا وبسالة مقاومتنا التي أفشلت أهداف الاحتلال وأسقطت اللاءات الحمر التي أعلن عنها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. لقد كانت هذه الحرب اختباراً قاسياً لقدرة المقاومة على الصمود ومواجهة واحدة من أعتى الآلات العسكرية الإجرامية في العالم، فعلى مدار شهور الحرب الطويلة، ورغم الدمار والتدمير والمجازر غير المسبوقة في العصر الحديث، لم يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه الاستراتيجية، لا على المستوى العسكري ولا على المستوى السياسي. فقد كان هدفه الأساسي هو القضاء على المقاومة أو على الأقل تحجيمها وفرض واقع جديد في غزة، لكن المقاومة أثبتت أنها قادرة على البقاء والاستمرار، بل وتطوير تكتيكاتها وتوجيه الضربات التي أفشلت خطط الاحتلال. كما لم يستطع العدو تحقيق مخطط التهجير القسري، رغم كل المجازر الوحشية التي ارتكبها، ورغم الضغط العسكري والاقتصادي الذي مارسه على سكان القطاع، خصوصاً في شمال غزة، حيث كان يسعى لتفريغ المنطقة بشكل كامل من سكانها. هذا الهدف فشل فشلاً ذريعاً، لأن شعبنا قرر البقاء والصمود، رغم المعاناة والجوع والحصار.
كذلك، لم يتمكن الاحتلال من إطلاق سراح المحتجزين الصهاينة لدى المقاومة بالقوة، رغم كل العمليات العسكرية التي شنها، واضطر في النهاية إلى الرضوخ لشروط المقاومة والدخول في اتفاق تبادل. مشاهد تسليم المقاومة للمحتجزين الصهاينة وفق شروطها وبطريقتها الخاصة وما تبعها من هذا الطوفان الجماهيري، طوفان العودة من جنوب غزة إلى شمالها، من الوطن إلى الوطن، التي كان العدو يماطل فيها لأشهر، لم يكن يتمنى أن يرى هذه العودة تتحقق، هذه الصورة بوجهيها الشعبي والمقاوم كانت مشهدية الكبرياء والتحدي والكرامة، وشكلت صفعة قوية للعدو، وأكدت أن شعبنا متمسك بأرضه وأن المقاومة هي صاحبة اليد العليا، وأن الاحتلال لا يملك سوى خيار الرضوخ للحقيقة الفلسطينية الراسخة.
انعكاس هذا المعطى الجديد سيكون على المدى الاستراتيجي، لأن الحلف الاستعماري فشل هو الآخر في ترميم صورة الاحتلال، الذي أدين بارتكاب الإبادة الجماعية، وملاحقة قادته وجنرالاته في العالم كمجرمي حرب.
علينا رؤية المحصلة الاستراتيجية للمعركة التي سيكون لها ارتدادات كبيرة على صعيد السياسات المحلية والإقليمية وأولويات الأجندة الدولية كما على داخل الكيان الصهيوني نفسه.
مع إدراكنا أن الاحتلال بطبيعته لا يحترم العهود، وأنه سيحاول الالتفاف على الاتفاق واستغلال أي فرصة لمحاولة خرقه. ولذلك، نحن جاهزون لكل السيناريوهات. المرحلة القادمة تعتمد على تحشيد العالم كله من أجل الإقرار بالحقيقة الميدانية، وفرض وقف دائم للعدوان، وقدرتنا على تثبيت إنجازاتنا ميدانياً، وصولاً إلى تصعيد المقاومة في الضفة وإفشال مخططات الاحتلال هناك، واستمرار دعم صمود الحاضنة الشعبية، التي كانت السند الحقيقي لنا طوال هذه الملحمة.
بعد ساعات من إبرام اتفاق وقف العدوان على غزة، توجهت الآلة الحربية إلى الضفة وإلى مدينة جنين ومخيمها تحديداً أين تتدخل السلطة منذ مدة. كيف تقرؤون ما يجري؟
ما يجري في جنين وكل مدن الضفة هو استكمال لسياسة الاحتلال القائمة على القتل والتهجير والضم والتهويد، والتي تصاعدت مع وصول أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ الكيان إلى السلطة، حكومة يقودها مستوطنون يحملون أفكاراً دينية مسيانية توراتية إجرامية، ترى في الضفة جزءاً مما يسمونه “وطن أجدادهم”، وتعتبر الاستيطان فيها بمثابة “عودة شرعية إلى الأرض الموعودة”، بناءً على خرافات دينية.
هذه الحكومة الفاشية بقيادة نتنياهو وبدعم مباشر من مجرمي الحرب مثل بن غفير وسموتريتش، تسعى إلى فرض واقع جديد في الضفة، من خلال توسيع الاستيطان بأسرع وتيرة شهدناها منذ سنوات، وتسريع عمليات مصادرة الأراضي، وتعزيز وجود المستوطنين المسلحين الذين أصبحوا اليوم جيشاً موازياً يمارس الإرهاب تحت حماية جيش الاحتلال.
لكن الأهم أن هذه السياسة تواجه مقاومة متصاعدة لا يمكن احتواؤها؛ فالضفة المحتلة تحوّلت إلى ساحة مواجهة مفتوحة، والمقاومة هناك أثبتت قدرتها على استنزاف العدو وإرباكه عبر سلسلة عمليات نوعية، من الاشتباكات المباشرة إلى الكمائن المحكمة، إلى التفجيرات التي تستهدف قوات الاحتلال أثناء اقتحامها للمدن والمخيمات.
في المقابل، تواصل السلطة الفلسطينية نهجها المدمر باستمرار ملاحقة المقاومة عبر التنسيق الأمني. نحن نؤكد أن المقاومة في الضفة ماضية في تصعيدها، وأن مخططات الاحتلال هناك ستفشل كما فشلت في غزة.
ولن يكون هناك استقرار في أي بقعة من فلسطين ما دام الاحتلال قائماً، وعلى السلطة مراجعة نفسها والتعاطي مع كل المبادرات الوطنية والاجتماعية لفتح حوار وطني يرى في المقاومة خط أحمر.
تعيش المنطقة على وقع تحولات عميقة تعرف ذروتها في الساحة السورية. كيف تقرؤون هذه التحولات وتداعياتها على مجمل المنطقة؟
بالفعل تشهد المنطقة تحولات استراتيجية عميقة تجلت ذروتها في الساحة السورية. وفي ظل المصالح الإقليمية والدولية هناك محاولات لإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، وهي حسب رأينا ليست معزولة عن مجمل التطورات الأخيرة في المنطقة، واستمرار المواجهة مع المشاريع الأميركية-الإسرائيلية، وتداعيات ما يجري في غزة، بالإضافة إلى التغيرات الحاصلة في لبنان والعراق واليمن.
بالمحصلة، ما يجري في سوريا يعكس مرحلة انتقالية أوسع تشمل المنطقة بأسرها، حيث تعيد القوى الفاعلة تموضعها استجابةً للمتغيرات، في حين يظل الرهان الأكبر على صمود المقاومة وقدرتها على فرض معادلات جديدة تعيد رسم توازنات القوة في المنطقة.
وبالنسبة لموقفنا في التحولات الجارية في سوريا، نحن في الجبهة الشعبية نرى أن من حق الشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه، وما يجري في سوريا هو شأن سوري داخلي. لكن لا شك أن أيّ استقرار في سوريا ينعكس مباشرة على الوضع في المنطقة والقضية الفلسطينية. وإن تعافيها سيشكل دعماً إضافياً لحقوق شعبنا.
برأينا، سوريا كانت وستبقى جزءاً أصيلاً من جبهة المواجهة مع الاحتلال. ولقد دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً نتيجة وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني، لذلك نتطلّع وكلنا أمل أن تسير سوريا نحو استعادة دورها الطبيعي كدولة مركزية في المنطقة، كما أن استعادة سوريا لعافيتها السياسية والعسكرية ستكون عامل إيجابي يعزز من مواجهة المشاريع الأميركية والصهيونية، خصوصاً في ظل التحولات الإقليمية التي تشهدها المنطقة.
والدروس المستخرجة مما حصل، يؤكد أنه لا يكفي ان تكون فلسطين قضية مركزية في الخطاب السياسيّ العربيّ الرسميّ والشعبيّ، ولا فائدة من ترداد ذلك إذا لم ترتقِ إلى مستوى استحقاقات المجابهة. المعضلة الأساسية في التناقضُ الواضح بين الخطاب السياسي بغض النظر عن خلفيته الأيديولوجية، والممارسة السياسية والاجتماعيّة والاقتصاديّة الداخليّة، فالتحرر الوطني ومواجهة الامبريالية يحتاج الى إطلاق الروح الديمقراطية والحرية والمواطنة والإبداع.
كيف تقرؤون تصاعد الصراع الدولي بين قوى الهيمنة التقليدية والقوى الصاعدة؟
يشهد النظام الدولي تحولات بنيوية مع تصاعد الصراع بين القوى التقليدية، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، والقوى الصاعدة مثل الصين وروسيا وإيران وغيرها. التراجع الأميركي لم يعد خفياً، فبعد عقود من الهيمنة، تواجه واشنطن إنهاكاً استراتيجياً بسبب الحروب المستمرة، وأزمة اقتصادية متفاقمة، وتآكل فعالية أدواتها السياسية والمالية في فرض سياساتها على العالم. كما تنبأ يوماً المفكر سمير أمين، أن الولايات المتحدة في طريقها إلى فقدان هيمنتها على العالم، ولكنها ستستخدم كل الوسائل للحفاظ على هيمنتها، بما فيها العنف. لذلك وجد الحلف الإمبريالي الصهيوني من منطقتنا مدخلا لفرض وتكريس الهيمنة على العالم، لذلك هي فرصة للقوى الصاعدة بتهيئة نفسها لمواجهة نظام القطبية، والسيطرة الاستعمارية على الشعوب، والتعري للنظام العالمي أمام جرائم الحرب الإمبريالية، بات يطرح تشكيل نظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب، قائم على العدل والتوازن الدولي وصيانة الحقوق والقيم الإنسانية.
أصبحت الصين تعلب دوراً اقتصادياً متزايداً عبر مشروع “الحزام والطريق”، بينما تعيد روسيا رسم توازنات القوة عبر المواجهة المباشرة مع الغرب في أوكرانيا، وتوسّع إيران نفوذها في محاور المقاومة، متحدية العقوبات الغربية والضغوط السياسية، وهناك قوى مركزية في العالم تتشكل أيضاً وتواصل بناء كتل اقتصادية قوية مثل الهند والبرازيل وغيرها.
وعلى الصعيد الاقتصادي يشهد العالم تحولات جذرية مع تصاعد الدعوات للتخلص من هيمنة الدولار، ما يفتح أمام الدول المستقلة خيارات أوسع بعيداً عن المؤسسات الغربية التي لطالما استخدمت كأدوات للابتزاز السياسي والاقتصادي. هذه التغيرات تضعف قدرة واشنطن على فرض العقوبات والإملاءات، وتعزز تكتلات بديلة مثل “البريكس” ومنظمة شنغهاي.
في النهاية، هذه التحولات تمثل فرصة تاريخية أمام القوى التحررية لاستثمار التحولات الجارية لصالح مشاريعها الوطنية. وبينما تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الحفاظ على تفوقهم عبر التصعيد والضغوط، فإن صعود البدائل الاستراتيجية يفتح الطريق نحو نظام عالمي أكثر توازناً، ويعزز من قدرة الشعوب المقهورة على تقرير مصيرها.
ونحن في الجبهة نرى أن هذا التراجع في الهيمنة الأميركية يمثل فرصة لتضييق الخناق على الاحتلال. فكلما ضعفت قدرة واشنطن على فرض سياساتها، كلما تقلص الدعم المطلق الذي يتلقاه الكيان الصهيوني. لكن استغلال هذه التحولات يتطلب وعياً سياسياً واستراتيجية واضحة لتعزيز علاقاتنا بالقوى المناهضة للهيمنة، واستثمار التناقضات بين القوى الكبرى لصالح قضيتنا.
ما هو في تقديركم دور القوى الثورية في الوطن العربي في ظل التعقيدات الحاصلة؟ وما هي رسالتكم إلى هذه القوى؟
إنّنا نواجِهُ مشروعًا صهيونيًّا يستندُ إلى ما أنجزه الاستعمارُ منذ بداية القرن، من تخلف وتبعية وتجزئة، ويضع استراتيجيات شاملة وبعيدة المدى لتحقيق المزيد من الأهداف.
واجب القوى الثورية في الوطن العربي باستعادة دور حركة التحرر العربي وإخراجها من أزمتها وتجديد أدواتها، أمام مسؤولية تاريخية؛ ولا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إجراء مراجعات نقدية موضوعية ، تستخلص فيها دروس التجربة وصياغة رؤية واضحة للصراع كصراع ضد الامبريالية وأدواتها في المنطقة، ويبدأ بالأساس بعنوان التحرير الذي هو ليس فقط من الاحتلال، أيضاً من أشكال التخلف والتبعية والهزيمة، والتي تتجسّد في الأنظمة المهزومة التي تسعى إلى تكريس “التطبيع” الذي هو المسار التدميري للنظام العربي نفسه من خلال تحويل العدو الصهيوني إلى “حليف استراتيجي” وإدماجه في المنطقة ، لذلك نؤمن بشكل عميق أن القضية الفلسطينية هي قضية تحرر وطني عربي تشمل الشعوب العربية بأكملها، وأن المواجهة مع الاحتلال هي جزء من معركة أوسع ضد الاستعمار والاستبداد وفي سبيل حرية ومستقبل وتقدم شعوبنا.
رسالتنا لكل المناضلين العرب: المطلوب قراءة صحيحة لتاريخ مجتمعاتها واستخلاص فكرها بقراءة عصرية علمية جدلية وإبراز مفهوم العدالة الإنسانية، لأن الشعوب صاحبة المصلحة بتحقيق هذه العدالة، تجليات عنوان العدالة والصراع مازال حول القضية الفلسطينية، شعوب الأرض بغض النظر عن أصولها تقف مع تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وأصبح الموقف من القضية الفلسطينية يتماهي مع العدالة الإنسانية، لذلك لا تراهنوا على الأنظمة، يمكن لنظام ان يتحدث عن الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني وبذات الوقت لا يقيم قيمة للعدالة من أجل شعبه ومجتمعه، ولا يمكن لحزب ان يعلن عن تبنيه للقضية الفلسطينية وهو لا يحمل مفاهيم الحرية والعدالة لحزبه او تنظيمية او مجتمعه. ولا تراهنوا على المجتمع الدولي إذا فشل بتحقيق العدالة، الرهان الوحيد هو على الشعوب وقواها الثورية وفلسطين لن تتحرر بالشعارات والقضية الفلسطينية لا تحل بمجرد رفع اليافطة فقط، بل بالإيمان العميق بتحقيق العدالة الإنسانية وهذا يكون بالكفاح الشعبي الشامل، بالوعي الثوري والاشتباك المجتمعي والمقاومة الشاملة بكل مستوياتها السياسية والثقافية والكفاحية والمجتمعية حتى دحر الاحتلال وتفكيك منظومته الاستعمارية وهزيمة أدواته في المنطقة.