أبرزحوار وشخصيات

القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق عبد الكريم الأحمد والد الشهيد سليمان الأحمد

حواررغم الألم يوجد أمل بالتحرير والحرية

بوابة الهدف

رابط الجأش ثابت الخطا منتصباً كأشجار فلسطين، راسخاً كصخورها العتيدة، المنتمي للمقاومة فكراً وعطاءً والتزاماً، ليتماهى في الوعي ذاته، وعي ابنه الأوحد، الذي ذهب شهيداً على طريق القدس ، في صفوف كتائب الشهيد القائد أبو علي مصطفى، إنه المناضل عبد الكريم الأحمد، الأب والمدرسة ووالد الشهيد سليمان عبد الكريم الأحمد، فأية علاقة جمعت بينهما… جيلان لم يبتعدا عن الشغف بفلسطين تاريخاً ومقاومة، كذلك كان وعي الشهيد الابن في أن يكون في قلب المقاومة، ويذهب شهيداً على الحدود اللبنانية الفلسطينية على طريق القدس، وهو الذي استمد من والده البسالة والتجذر والوعي ليترجمه بشهادة على أرض الجنوب، ويرتقي نجمة في سماء فلسطين، تضيء فوق الأقصى بعطر سماوي، مدرسة وجيل جديد هكذا نستقرئ حدث الشهادة دخولاً إلى فضاءاتها لا سيما ووالد الشهيد يبقي دمعتيه في القلب، وتودع الأم ابنها بدموع سالت على القلب والتراب، فهو الوحيد لكنه مفرد بصيغة جمع، وأنت تحاوره ستنفتح أمامك دروب وأماكن ومساحات من تاريخ مضيء، وبوعي مضاعف لذلك المسكون بالمقاومة موقفاً ورؤيا وإرادة صلبة، لا تكسرها المحن بل تزيدها صلابة ليتجوهر الأب بألمه النبيل.. حسناً لقد سبقني إلى الشهادة يقول الأب مبتهجاً وليعطف على الحوار معه الكثير من الهواجس والأحلام بوطن تحرسه دماء الشهداء، وتعيد وهجه كل وصاياهم، هي ثنائية  الأم/ المدرسة، التي تلهم الأجيال جيلاً فجيلاً، ليتقدموا القافلة المديدة على طريق القدس، وعياً وجسارة تعطي للبطولة ألف معنى مشرق.

حدثنا عن النشأة وطفولته؟

كانت ولادته في مخيم اليرموك في العاصمة دمشق بتاريخ 4/6/1989 وتحديداً في مشفى الرحمة، وهو الوحيد على خمس بنات، عاش طفولته في المخيم، وتعلم في مدارسه،  كان عاشقاً للمخيم محباً للتفاصيل الحياتية اليومية يحفظ أسماء شوارع المخيم وأزقته المعنونة بأسماء مدن وبلدات فلسطين، كان نشيطاً ويشتغل في معمل حلويات بموازاة دراسته،  وحيوياً يتردد مع أقرانه بين الفترة والأخرى على مكاتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ،  وبقي كذلك حتى انتقلنا وعشنا سوية في لبنان في العام 2013. كان يهوى كتابة الشعر والخواطر التي تتحدث عن فلسطين واتصف بالحنية على أخواته البنات وكان يبدو أكبر من عمره من حيث شخصيته وقدرته على التفكير واتخاذ القرار.

متى انتمى إلى صفوف الجبهة الشعبية؟ وكيف تصف هذا الانتماء؟

 –        في العام 2013، أصبح عضواً حزبياً ملتزماً وناشطاً في صفوف الجبهة. ويقول لي دائماً إنك مثلي الأعلى في النضال من أجل فلسطين، كان معجباً بشخصية “جيفارا غزة”، وشخصية الشهيد “أبو أمل” محمد عبد الكريم الخطيب. وشخصيته امتازت بحس الاندفاع والمبادرة والمشاركة  بالعديد من الأعمال التطوعية، منها تنظيف مقبرة مخيم عين الحلوة في العام 2017 وإعادة صيانة أضرحة الشهداء وكان منسجماً مع واجباته الوطنية والحزبية، وكنت ألاحظ عليه اهتمامه بالثقافة العسكرية إلى أن بدأ أول الدورات بهذا المجال في العام 2019.

–         الكثير من العائلات لا ترسل ابنها الوحيد إلى ميدان المواجهة والقتال، كيف وافقت على ذلك؟

بداية لم أمانعه، حيث كانت رغبته قوية بالانتماء للأعمال الميدانية والمواجهات القتالية، وبعد الإصرار الذي لاحظته عليه، وافقت بناء على رغبته. كان ملتزماً بشكل كامل، وكان الأول على دفعته باستمرار من حيث الالتزام والتكليف بالمهمات.

 فمنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى قضى نحو 146 يوماً مرابطاً على الحدود اللبنانية الفلسطينية، خدم منها نحو شهرين متواصلين، وعند إجازته وعودته إلى المنزل كان مبسوطاً وعاشقاً لعمله ومرابطته على الحدود.

–         كيف كانت العلاقة بينكما؟ وهل كان يتحدث لك عن طبيعة عمله؟

–          سليمان بطبيعة حاله لا يحب الثرثرة، فما بالك عندما يتعلق الأمر بمهمات حزبية ميدانية فقد كان جدياً وكتوماً لا يفوه بكلمة واحدة حول طبيعة عمله ومهماته. لم أتعامل معه كابن بل تعاملت معه كصديق ورفيق حيث كان ملازماً لي كالظل خاصة في مخيم عين الحلوة .

–          ما هي ردة فعلك عندما ذهب إلى الجنوب؟

رغم موافقتي على ذلك إلا أنني كنت أدرك أن لها ثمناً كبيراً فقد سألني حينها ما رأيك؟ قلت له موافق ولكن القرار يعود لك.

–         صف لنا مشاعره قبل التوجه إلى الجنوب؟

–          كان يمارس حياته بشكل طبيعي ويذهب إلى دوامه وعمله كالمعتاد ويقضي الوقت مع أصدقائه، وفي تلك الفترة كان يسعى للزواج، ولم يشعر بالخوف أبداً، كان دائماً يحدثني عن الشهادة والاستشهاد خلال هذه الفترة.

 هل تذكر آخر لقاء بينكما؟

كنا بالمكتب وقال ممكن أن نذهب مشواراً باتجاه البحر، تغدينا سمك بناء على رغبته وتحدثنا حول آخر المستجدات وحذرته من سوء الأوضاع وضرورة الانتباه وأخذ الحيطة والحذر، وحينها ابتسم وضحك كثيراً.

–         كيف تلقيت نبأ استشهاده؟

كنت أتابع الأخبار لحظة بلحظة وكانت جميعها تنقل أنباء الغارات العنيفة التي يشنها العدوان الصهيوني على جنوب لبنان، ووقتها داهمني شعور بالقلق، وسألت عنه الرفاق المعنيين لأطمئن عليه وكان جوابهم أنه بخير.

وقبل استشهاده بيوم واحد وتحديدا الساعة الرابعة من فجر يوم (19/10/2024)، استيقظت فجأة من نومي، وأيقظت أخته وقلت لها بدون مقدمات: أخوك استشهد، قالت لي إنه مجرد حلم، لا تكترث عد للنوم.

 وفي أحد الأيام كنت على رأس عملي وجاء الرفيق مسؤول المنطقة وقال أريد أن أرافقك بمشوار، وفي منتصف الطريق قال بأن الموعد تم الغاؤه، فأوصلني إلى المنزل و بعدها جاء الرفيق أبو باسل وقلت له بشكل فوري إن سليمان استشهد؟! بداية أجاب بالنفي، وما هي إلا لحظات حتى توافد الرفاق إلى منزلي وأخبروني نبأ استشهاد ولدي سليمان وذلك في (27/10/2024) أي بعد أسبوع من حادثة استشهاده. وقلت لبناتي إن أخوكم أصبح عريساً وطلبت منهن أن يزغردن. واختلطت المشاعر بين الفرحة والحزن والفخر والبكاء. ونال الشهادة التي طالما تمناها وتحدث عنها وكما يحب قلبه حيث قضى في اشتباك بطولي مع العدو الذي كان معززاً بقصف مكثف من الطيران في المنطقة الواقعة بين عيترون وراميا.

  • بماذا تميز مشهد وداع الشهيد سليمان؟

بعد أن تلقينا نبأ استشهاده،  ذهبنا إلى مستشفى الهمشري في صيدا لاستلام الجثمان وأنوه هنا إلى أن الرفاق بتعاونهم ومحبتهم ومشاعرهم كانوا بمثابة التجسيد الحي والواقعي للعائلة الكبيرة، لا سيما بعد أن تحدث معي نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق جميل مزهر ليبارك لي باستشهاد ولدي، وقال: “كنت أريد رفع معنوياتك ولكن أنت من رفعت معنوياتي“.

تم نقل الشهيد إلى المنزل وسجيناه واختلط البكاء بالزغاريد ونثر الأرز والورود وكان التشييع كبيراً جداً، وقلت بأنها ليست جنازة لابني فقط، بل هي بمثابة استفتاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على نهج المقاومة. وواريناه الثرى في مقبرة الشهداء في مخيم عين الحلوة، ويعتبر هو أول شهيد للجبهة الشعبية في مخيم عين الحلوة من بين ثلاثة رفاق شهداء في فترة معركة طوفان الأقصى.

–         ماذا كتب في وصيته؟

كتب في وصيته أنه يعشق الشهادة من أجل فلسطين، وأنه محب لأخواته وطلب منهن أن يبقين على عهد المحبة، وأوصى بأمه خيراً لأن ليس لها غيره.

 هل من كلمة أخيرة توجهها إلى رفاق وأصدقاء ومحبي الشهيد سليمان؟

أقول رغم الألم يوجد أمل بالتحرير والحرية، و قناعتي الكاملة أن طريقنا يمر عبر التضحيات، وبالرغم من أنني فقدت ابني الوحيد إلا أن هذا لا يمنع أن نكون على ذات الطريق وقلت في كلمة فوق القبر: “أنت خذلتني لأنك سبقتني”. ونحن كشعب فلسطيني إذا أردنا العيش بكرامة يجب علينا أن نتوحد مع بعضنا البعض على أسس وطنية واضحة والتمسك بنهج المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى