ثقافة

البطل في الأدب العربي ودوره في تشكيل الهُويّة الثّقافيّة والاجتماعية

جريدة الأيام- بقلم: د. انتصار الدنان – شاعرة وإعلامية فلسطينية من لبنان

الأدب هو وسيلة تعبير عن التقاليد والأخلاق، وهذا التعبير يأتي من خلال طرق مختلفة، إما من خلال التصوير لها، أو تغنّيًا بما فيها، أو رفضًا أو ثورة عليها، أو عملًا على تعديلها، وهذا الأمر نراه واضحًا في الأدب العربي، منذ الجاهلية مع عنترة، وحاتم الطائي…، وغيرهم، ولأنّ العربي كان يعيش في بيئة قاسية كان لزامًا عليه أن يواجه ذلك، ويؤكد ثباته أمام العدم، وكان العدم يتكشّف له في صورة العدو الذي ينافسه على ينابيع المياه، ومراتع الإبل، وفكرة الدفاع عن العرض والشرف، وأرض الربيع ( المرعى)، والإبل وأهل الحيّ.. كلها رموز لوجود الرجولة العربية المُهدّدة من قبل الغزاة، وانطلاقًا من ذلك، فقد تحلى العربي بقيم ثلاثة: أصالة النسب، الشجاعة في الحرب، الكرم في الأخلاق.

انتصار الدنان

في الأدب الشعبي، تُعتبر البطولة موضوعًا رئيسًا في العديد من الأشكال الأدبية، مثل: الأساطير، الملاحم، حكايات الخوارق، الأساطير الدينية، وهذه القصص غالبًا ما تصوّر الأبطال كأشخاص ذوي قوة فائقة، وقدرات خارقة، مما يجعلهم رموزًا للقوة والشجاعة في المجتمع.

وقد انعكست البطولةُ في الشعر العربي من خلال العديد من الأبيات الشعرية التي تمجّد الأبطال وتصف شجاعتهم وإنجازاتهم. والفروسية ما قبل الإسلام هي شرط حفظ العيش، والانتصارات على التهديدات، ما يعني أن الحفاظ على مكوّنات الحياة يفترض الحفاظ على المراعي، والمياه، والإبل، وأهل العشيرة… وكلها افترضت الرجولة العربية، البطل الفارس الذي يجابه الغزاة، ومن هنا نما الكلام على فكرة الفخر، والبطولة والسلوكية الفروسية، ونمت من قيم الفخر إلى الأخلاق العربية في الجاهلية، وكان الفارس العربي “البطل”، يجب أن يتحلّى بأهمّ الصفات وهي الشجاعة، بالإضافة إلى قيمة أصالة النّسب، الشجاعة في الحرب، وغيرها من الصفات.. وكانت الشجاعة في المحيط الجاهلي أنواع، أرفعها وأسماها الموت في ظلال السيوف وخفق البنود، وأوضعها الموت على الفراش كما جاء في كتاب “حضارة العرب في العصار الجاهلي” للدكتور “حسين الحاج حسن”. وقد ظهرت صورة البطل في صور الحياة وترسَّخت في العقل العربي، وأظنه حتى زماننا هذا ما زالت تلك الصور مسيطرة، وما زلنا نحلم بأن يكون في مجتمعنا أمثال أولئك الأبطال.

وعلى سبيل المثال، سيكون “عنترة بن شداد” هو من سنستشهد به، فكتب اللغة العربية ما زالت حتى اليوم تتحدّث عن سيرته، وما زالت تلك الحقبة محفوظة في أذهاننا، ونعتبره أسطورة تلك الحقبة، ويمثّل لنا حالة تحدٍّ، فعنترة الشاعر الفارس الأسود، الذي أحب ابنة عمه “عبلة”، وحيل بينه وبينها لأنه كان من أمٍّ جارية سوداء، سباها والده إثر غزوه لبلاد اليمن، وكان قد أنكره والده لسواد لونه، وعامله كالعبيد، وتحوّل في التاريخ العربي إلى البطل الخارق والأسطورة التي ما زالت تمتد إلى عصرنا هذا، فشخصية “عنترة” تتبيّن لنا من خلال قصيدته” أثني عليّ”، لابنة عمّه “عبلة”، يتضح أنه كان فارسًا عاشقًا حاذقًا، وواثقًا من مهاراته، يقهر الفرسان المتدرِّعين، ويكره احتجاب “عبلة” أمامه، بالإضافة إلى العديد من الصفات التي كان يتمتّع بها، تتعلق بالأخلاق، والكرم، والعفة، وإغاثة الملهوف، ورفضه التمييز العنصري، ورفضه الظلم، والتقاليد المسيئة للعدالة، واستماتته لإثبات ذاته وتفرده، غير أنه مع كل هذه الصفات الحميدة يتحلّى بسلوكيات منبوذة مثل: تباهيه بصور الدم والقتل، ومبادلة الظلم بظلم أشد، وأكثر قسوة.

وعليه، فإن البطل في الأدب العربي يؤدّي دورًا محوريًّا في تشكيل الهُويّة الثّقافيّة والاجتماعية، وذلك من خلال التعبير عن القيم والمُثل العليا، والرمز للهُويّة الجماعيّة، حيث يجسّد تطلّعاته وأحلامه في الأدب الشعبي، حيث نجد أن الأساطير والملاحم تروي قصص الأبطال الذين يحققون إنجازات عظيمة لشعوبهم، حيث إن البطل يمكن أن يكون أنموذجًا يُحتذى به أو رمزًا للرفض والنفور مما يجعله ذا تأثير كبير على القرّاء. لذا، هو، منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا مازال البطل في الأدب الشعبية ملهمًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى