العربي الجديد- انتصار الدنان
في مثل حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، فإنّ الفلسطينيين جميعاً معرّضون لاضطراب ما بعد الصدمة، وبالتالي هم في حاجة إلى دعم نفسي وإحاطة جادة في هذا السياق لتفادي تبعات تدهور الصحة النفسية لدى الأفراد الأكثر هشاشة.
بعد نحو أسبوع، تنهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها التاسع، مخلّفةً نحو 38 ألف شهيد ونحو 87 ألف جريح إلى جانب أكثر من 12 ألف مفقود، علماً أنّ ثمّة خبراء يشيرون إلى أنّ عدد الضحايا أكبر من ذلك. ووسط عدوان الاحتلال الممنهج الذي يقتل الفلسطينيين في القطاع المحاصر ويعوّقهم ويهجّرهم من منازلهم ومناطقهم ويجوّعهم ويحرمهم من المياه والعلاج فيما يدمّر المساكن والمدارس والمستشفيات والبنية التحية كاملة، يُعَدّ الأطفال ضحايا الخوف وما يشهدونه من فظائع تجعلهم يُصابون باضطراب ما بعد الصدمة. لكنّ التبعات النفسية للحرب المتواصلة لا تطاول الأطفال فحسب، إنّما كذلك البالغين من أهل القطاع، وهذا ما دفع متطوّعون فلسطينيون ومن جنسيات عربية مختلفة إلى إطلاق مبادرة تحت عنوان “الدعم النفسي لمتضرري العدوان على غزة”.
وتهدف المبادرة التي أُطلقت بالشراكة مع الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) في قطاع غزة إلى ربط الفلسطينيين المحتاجين إلى دعم نفسي في داخل قطاع غزة وخارجها وكذلك أيّ فلسطيني يعاني من آثار الحرب مع معالجين نفسيين من جنسيات مختلفة من أجل مساعدتهم في تجاوز الآثار النفسية لحرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني على القطاع. ويجري وصل هؤلاء افتراضياً عبر شبكة الإنترنت أو حضورياً في بعض حالات، وذلك من دون أيّ مقابل مالي. وبحسب ما تفيد المبادرة، فإنّ عشرات الأطباء تبرّعوا بوقتهم وجهدهم لأداء هذه المهمة، وبأنّها سوف تتعامل بسرية ومهنية مع المعلومات التي تتلقّاها من خلال طلبات الأشخاص الراغبين في الحصول على علاج نفسي، علماً أنّ المتخصّصين يقيّمون كلّ حالة على حدة قبل إحالتها إلى المعالج المناسب لتلبية احتياجات الفرد المعني.
الحاجة ملحّة إلى دعم نفسي
تقول سماء أبو شرار الناشطة الاجتماعية في المبادرة، المقيمة في العاصمة اللبنانية بيروت، لـ”العربي الجديد”: “أنا من الأشخاص الذين كانوا يبحثون عن كيفية المساعدة. ففي بداية العدوان على قطاع غزة شعرنا بالعجز والإحباط، ثمّ بلغنا مرحلة أردنا فيها القيام بأمر (مفيد) لأهل غزة. وفي إحدى مجموعات تطبيق واتساب، حاولنا مع أصدقاء ومعارف إيجاد طرق للمساعدة”. تضيف: “فعملنا على محاور عدّة، وأتى الدعم النفسي من بين الأمور التي طُلبت منّا، تحديداً من قبل أهل غزة الذين يعيشون في خارج القطاع في حين أنّ أهلهم عالقون فيه ويعانون من حالات مختلفة، سواء أكانت فقدا أم حزنا أم اكتئابا. وصرنا نبحث عن طريقة لوصلهم بمعالجين نفسيين يساعدونهم في تخطّي المحن” التي يعيشونها.
وتتابع سماء أبو شرار، التي تنشط مع زميلاتها عليا خلف ودالية أبو شرار وردينة حمادي، أنّ “الطلب تزايد على العلاج النفسي، وصار أناس يلجأون إلينا من خلال صديقة معنا في المجموعة تعيش في قطاع غزة”. وهكذا رأت الناشطات أنّ “الوقت حان لمبادرة منفردة تكون متخصصة فقط في مجال الدعم النفسي”، فكانت “مجموعة صغيرة عملت على إنشاء تلك المبادرة”، وتمكّنّت من جمع عدد من الأطباء المتخصّصين في الأمراض النفسية والعصبية ومن المعالجين النفسيين من فلسطين ولبنان ومصر، ومن ربط كلّ فرد في حاجة إلى مساعدة بواحد من المعالجين المتوفّرين من دون أيّ مقابل مادي.
وتوضح أبو شرار: “بهذه الطريقة شكّلنا مجموعة المبادرة. ولأنّنا لا نملك غطاءً قانونياً، لجأنا إلى جمعية غير حكومية في قطاع غزة هي الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) ويرأسها المحامي صلاح عبد العاطي”. وتشير إلى أنّ “من بين مجالات عمل الجمعية نشاطات تعزّز الصحة النفسية. وعندما أخبرنا المعنيين فيها عن فكرتنا، تحمّسوا وأبدوا استعدادهم للعمل معنا وتغطيتنا قانونياً، وهذا ما كنّا في حاجة إليه”.
وبعد الاتفاق مع الجمعية، بدأت سماء أبو شرار وزميلاتها بالعمل على المبادرة، وأنشأنَ حساباً على تطبيق إنستغرام، يستطيع من خلالها الأشخاص المهتمّون بتلقّي دعم نفسي التواصل معهن من خلال تعبئة استمارات، وفي الوقت ذاته أتحنَ المجال أمام المعالجين النفسيين للتطوّع والمساعدة في إطار المبادرة. وتلفت أبو شرار إلى أنّ “الأشخاص الذين تواصلوا معنا هم من أهل غزة الذين استطاعوا الخروج من القطاع، إلى جانب شخص واحد من داخل قطاع غزة”، معيدةً سبب عدم تواصل فلسطينيين مقيمين في القطاع إلى “صعوبة الاتصال” وسط الظروف القائمة. وتفيد بأنّ المبادرة تسعى إلى تركيز نشاطها في غزة عندما تتوقف الحرب، لكنّ الأمر حالياً غير متاح.
وتؤكد أبو شرار: “نحن مبادرة تطوعية، وبالتالي لسنا في حاجة إلى دعم مالي. ففريق العمل صغير، والناشطون فيه متطوّعون. أمّا التحدّي الذي نواجهه فهو مدى قدرتنا على إيصال المبادرة إلى الفلسطينيين في داخل قطاع غزة، والتحدّي الأكبر هو ربط هؤلاء بمعالجين نفسيين، بسبب ضعف الإنترنت ورداءة الاتصالات”.