أمسية ثقافية بيروتية مميزة إلى وليد دقة رمز فلسطين وشاهدها وشهيدها.
المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان
تحت رعاية معالي وزير الثقافة اللبنانية، ووفاءً للشهيد الأسير وليد دقة، وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، وبدعوة من جمعية ممكن وهيئة التنسيق للأسرى والمحررين، أقامت أمسية ثقافية حول رواية ” حكاية سر الزيت”، في قاعة أوتيل سيرينادا – بيروت – الحمرا، في 17 نيسان 2024، وكانت كلمات للكاتب والناشر : سليمان بختي، والأسير المحرر أنور ياسين، السيدة سناء أبو دقة عنها د. إيمان العاصي، ممثل معالي وزير الثقافة الأستاذ روني ألفا، و أدارت اللقاء الأستاذة هالة سبيتي ، وكلمة الروائي والقيادي في الجبهـ ـة الشعبيـة مروان عبد العال وهذا نصها :تحية عطرة إلى الجهة الداعية التي جمعتني بهذا الحضور الثّقافي الجميل، في يوم الأسير الفلسطيني، مع ميلاد وأبو ميلاد والوليد المستمر والحكاية المستمرة “سر الزيت “،التي قدم لها :” أكتب حتى أتحرر من السجن” ولكن ها أنت يا حبيبنا ومفكرنا و رفيق الدرب والفكر والحلم لم تمت قبل ان تكون نداً، ونشهد أنك حرّرت السّجن منك.
لماذا وليد دقة؟ لأنه ليس مجرد حديث عن كاتب وكتاب، فهو إنسان له معدن خاص، ترجّل قبل أسبوعين بالإهمال عمداً والذي لم يدفن بعد، فقد سيطر العدوعلى جسده حياً وميتاً ، لماذا؟
لأنه من معدن أصيل، معدن إنساني مثل الذي صيغ منه “بوبي ساندز” ضمير الشعب الايرلندي، ولم يستطع الاحتلال البريطاني أن يغلق نافذة عقله. و هو من طينة “أنطونيو غرامشي” الذي انتصر على سجنه وأنتج فكراً ثورياً بمستوى ” دفاتر السجن”.
ومن صلابة الكاتب التشيكي يوليوس فوتشيك الذي كتب “تحت أعواد المشانق” عشية إعدامه من الغيستابو النازي، وهربت روايته مع أحد السجانين، وظلت زوجته تبحث طويلاً عن جثته بلا جدوى . هل رأيتم هذا هو الفاشي ، لأن “النازي هو ذاته، النازي”.
وليد دقة هو تشكيل رائع للمناضل المتكامل الذي أراده، سأتحدث بمرجعيته وخلفيته وأسراره الفكرية ، أنتجت حكاية سر الزيت. في حالة مثل وليد دقة القامة الفدائية والفكرية والأدبية في الحركة الوطنية الأسيرة، من ذات البنية الفكرية والسياسية والفنية للتجربة الفلسطينية والعربية، منذ أن أنتمى الى الجبـ ـهة الشعبيـ ة اثر الغزو الصهيوني للبنان وبعد جريمته البشعة بارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، كان بطلا يعبر عن غضبه بمقاومة الاحتلال، رتبه ومرتبته الاسمى ان يكون مناضلاً فلسطينياً بإمتياز، وليستمر مقاوماً شاملاً من داخل سجنه مثقفاً منتمياً إلى مشروع تحرري جماعي متكامل، وما قدمته الحركة الاسيرة كنتاج ثقافي ظل متقدم عنا، لأنه يمتلك المصداقية الثورية و هو مقنع إنسانياً ويشخص الحالة الوطنية بتجرد وموضوعية ويمتلك مقومات المقاومة بالقول والممارسة و وبالعاطفة والعقل. وهو واحد من كبار مفكري الحركة الأسيرة أمثال الأسير باسم خندقجي وأمير الظل عبد الله البرغوثي وكميل أبو حنيش ومنذر خلف و أحمد سعدات وحسن سلامة وسائد سلامة.
لم يسمح للعدو ان يحتل عقله، فقاتل وليد بعقله وارتدته و بتحليل علمي دقيق، للثنائية المتناقضة، في العملية الاستعمارية، لصهر الوعي و ليسيطر على المستعمَر باللايقين والقهر. وإن السجن الحديث بصورة عامة ليس سيطرة وحجزاً للجسد فقط، وإنما سيطرة على زمن الأسير، باللايقين، اللايقين في كل شيء في الذات في الانتماء في الهوية في المقاومة. إذا إنها معركة وعي الصّراع ، أولاً وأخيراً، راهنيتها في حرب الإبادة الدائرة اليوم، وكانت أطروحته الفكرية تقارب الوسيلة الجديدة للتعذيب، تكمن في : “الحداثة السائلة”، في محاولة لفهم مسيرة البنية الإستعمارية الحديثة، تتمثل بعلاقة السّجان الإستعماري مع وعي السجين، مشبهاً الاحتلال في دراسته “صهر الوعي” بالاحتلال الشموليّ. مسلطاً الضّوء على أحدث النظريات في الهندسة البشرية وعلم نفس الجماعات المستخدمة، بهدف التّلاعب بالوعي وبتفكيك قيمه ومكوّناته الوطنية الجامعة، وحذر وليد دقة بشدة من هذه النظم العلمية ومنطقها العقلي التي وضعتها “إسرائيل” والتي شبهها إلى حد بعيد بحالة الابادة السياسية “بولي- سايد” التي هي تمهيد للابادة الجماعية..
ومشبهاً نظام السّيطرة في مراقبة السّجين والمواطن الفلسطيني والسّيطرة على حياته و على الحيّز الزماني والمكاني، ولم يفت المثقف العميق مثل وليد دقة أن يستند إلى ميشال فوكو في “التشامل” شمولية الاحتلال، الذي يشمبل البعد الحداثوي الخفي للتعذيب. وكشف التشابه بين السجون والمعازل في الأراضي المحتلة بما يفيد لحل الإشكالية المفاهيمية في توصيف الحالة الفلسطينية.
و لا ينتهي الشبه بين السّجن الصّغير والسّجن الكبير فلسطينيًا عند هذا الحدّ. وعززها في اجراءات لتحويل بعض ممثلي الأقسام من العصافير إلى “كابو”. سمع ما قاله رئيس مصلحة الشؤون للوزير: “علينا أن نجعلهم يلقون التحية لنشيد الكيان الصهيوني “الهاتكفا”…..!! هو كان الاساس لمعركة الوعي.
لماذا كتب وليد سر الزيت؟ هناك قراءات متعددة تحفز الذهن، وكلمة حكاية كلمة أصيلة في العنوان، وهذا يجعل الكتاب مقدماً لميثولوجيا شعبية خاصة، وكأنها تروي حكاية شعبية خاصة. في خضم محاولات السيطرة على الموروث الشعبي الفلسطيني، معجونة من خيال طفولي، بلغة سهلة واضحة مباشرة، لا تحمل كثيراً من التأويلات، لكنه يغذي خياله الخصب من خلال ابتداع عالم خاص بالطفل، بالحوار المباشر مع الحيوانات، الأرنب، الكلب، الحمار والقطة والشجرة، وقد كان لهم استراتيجية واحدة، يؤدي كل منهم اسهاماً في وصول جود إلى أبيه في السجن.
فقد استخدم الكاتب الأسطورة، والحكاية الشعبية، حول شجرة عجوز يكمن السر في زيتها، وهذا يعيد إلى الذهنية الفلسطينية كل الحكايات الشعبية المتوارثة حول الأشجار والمغاور والكهوف وغير ذلك. مغزاها أن الحرية مفهوم جماعي قبل أن تكون استقلالا فردياً، ولم يستبدلوا حريتهم الشخصية بحرية وطنهم.
الوحدة الحقيقية التي تؤسس لشراكة وطنية جماعية تنتصر لارادة المقاومة، تنتصر الحرية في النهاية الكامنة في العِلم، العِلم الدّواء الذي يقضي على الوباء الذي هو فقدان العقل والجهل، وفقدان الأخلاق.إن الجهل هو أخطر السجون وهو قادر على تحويل عقلك ومستقبلك الى زنزانة. فلابد من التحرر من الجهل أولاً..
لمن كتب وليد حكاية سر الزيت؟ كتبها لليافعين للجيل الناشيء، ليطرح عليهم سؤال الحياة ولأنه يراهن على جيل جديد، يمسك بالشجرة الرومية. زيتونة ترمز الى الأرض والجذور والتي تمثل التاريخ والذاكرة والتجربة بين أم رومي العجوز وجود. رحلة الزمن، الصراع على الزمن ، السيطرة على الزمن ، في إحساس او توجس أن يكون الجيل الجديد لا يعرف سردية الاحتلال، النسيان ليس نسيان كلمة او فكرة او رقم ، بل هو تنبيه أن لا تنسى من أنت ومن هو العدو وماهية هذا العدو..
و الرسائل التي أرادها من هذه الحكاية
الرسالة الأولى : أن السرية هي طريق الحرية، البئر يرمز عندنا بالسر،”سرك في بير”.. وليد هنا يقدم لنا دليل تنظيمي، “النضال السري”…
والرسالة الثانية : صراع طويل الأمد، وصية أم رومي آل جود لا يكشفك الضوء حتى يمر السر فيك عليك أن تجد ما لا ترى حتى نفسك تصير سراً. اذا لم تسلك هذه الطريق ستفقد البرة والقدرة والفعل صراع على الزمن، “لو يدري الزيتون غارسه” اي رمزية تدل على الانغراس في القدم.
والرسالة الثالثة : الخيال، القدرة على الابتكار، لسبر الطرق جديدة، فالسياسة التي تفتقد للخيال السياسي تصبح سياسة غير قادرة على الابتكار، وهو الاساس للخروج من حالة العجز ، متسلحاً بالمعرفة والعلم والوعي لهزيمة الجهل والتخلف..
كما ختم حكاية سر الزيت :
“عشان شو.. ؟ عشان نحرر أقدم أسير عربي
مين هو؟
المستقبل يابا … المستقبل…