الحرب على غزة… غلبت أصالح في روحي
الأخبار- حمزة البشتاوي
لم تغب فلسطين يوماً عن الأغاني والأناشيد الوطنية في العالم العربي، ومنها ما غنّته أم كلثوم، كأغنية «راجعين بقوة السلاح» وأغنية «أصبح عندي الآن بندقية».تحضر أم كلثوم والقاهرة دوماً في ذاكرة ووجدان الفلسطينيين ومحبتهم، فمثلاً، قبل الحرب الحالية، أقام شاب فلسطيني مشروعاً سياحياً على مساحة 3 دونم، قرب معبر رفح وبوابته السوداء الموصدة، جسّد فيه أهم معالم القاهرة، كالأهرامات وماسبيرو (مبنى الإذاعة والتلفزيون) ومقهى أم كلثوم الذي كان يقصده الناس لشرب القهوة والاستماع لأغاني أم كلثوم، ومنها أغنية «غلبت أصالح في روحي» التي كتبها الشاعر أحمد رامي ولحّنها رياض السنباطي.
في عام النكبة 1948، حاصر الصهاينة اللواء المصري الرابع بقيادة العميد سيد محمد طه الملقّب بـ«الضبع الأسود»، في قرية الفالوجة الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة غزة، والتي تبعد عنها نحو 30 كيلومتراً. مرّ وقت على الجيش المصري في الحصار، وانقطع التواصل مع القيادة، لكنّ المحاولات استمرت إلى أن عاد التواصل بين القيادة والمحاصرين، فسألوهم إن كانوا يطلبون شيئاً، فطلبوا أن تغني لهم السيدة أم كلثوم أغنية «غلبت أصالح في روحي»، وبالفعل نُقل الطلب إلى أم كلثوم التي كانت تستعد لحفلتها التي تقام في الخميس الأول من كل شهر، فغيّرت «الست» برنامج حفلها، وغنّت لهم ما يريدون، وغنّت أيضاً «أنا بانتظارك» في رسالة إلى انتظار عودة الجنود إلى الوطن، وبعد عودتهم دعتهم إلى حفل غداء في بيتها.
واليوم في خضمّ العدوان وحرب الإبادة على غزة، تغيب عن دعم غزة والمقاومة وفلسطين ولبنان، جيوش وعروش وأحزاب ونخب، ومعظم الأسماء الفنية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، لم تقدم دعمها ولو بالكلام والأغاني والأناشيد التي تشيد بالمقاومين وبنادقهم الموصوفة الآن بالإرهاب من قبل الولايات المتحدة (كما العادة) والعديد من ملحقاتها الذين كانوا سابقاً يبثون عبر إذاعاتهم، خاصة بعد نكسة عام 1967 الأغاني الوطنية، ومنها أغنية «طريق واحد» التي كتبها الشاعر السوري نزار قباني ولحّنها الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب وغنّتها أم كلثوم، تقول القصيدة/الأغنية في مطلعها: «أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم».
وإن كان من الصعب انتشال هذه الأنظمة وحاشيتها من حالة الهزيمة بقصيدة أو نشيد أو موال، فإن غزة لا تزال تراهن على أصوات الشعوب العربية والإسلامية، بأن تؤدي دورها، ولو صراخاً لمواجهة الحرب والحصار، والقيام بمقاطعة الشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال، والذهاب نحو البدائل المحلية كما فعل عدد من المصريين الذين عادوا لتناول المشروب الغازي «سبيرو سباتس» وقد كان المشروب الغازي المفضّل لأم كلثوم.
في الذاكرة القريبة والبعيدة، يتذكّر الفلسطينيون مشاركة «الست» بصوتها وإحساسها بالمجهود الحربي المصري، وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية، ولا سيما حين غنّت من بين ما غنّت «الله معك» في عام 1949 من كلمات صلاح جاهين وألحان رياض السنباطي، والتي بسببها أصدر الاحتلال حكم الإعدام على أم كلثوم ومغنيتين غيرها هما سليمة باشا، وسهام رفقي، بتهمة إثارة الجماهير العربية ضد الصهيونية.
بعد أن حكم الاحتلال على مغنية لأنها غنّت، فاعتبرها محرّضة للشعوب على إسرائيل، فها هو حالنا اليوم، ركون سكون كمون، والجماهير العربية كأن ليست لها صلة بما يجري في غزة، وهي التي ردّدت في يوم من الأيام أغنية «والله زمان يا سلاحي» التي غنّتها أم كلثوم:
«والله زمــان يـا سـلاحـي … اشتـقـت لـك في كـفـاحي/ انطق وقـول أنـا صاحـي … يــا حــرب والله زمــان/ والله زمـان ع الجــنــود … زاحفة بـتـرعـد رعـود/ حالـفة تـروح لم تـعـود … إلا بـنـصــر الـزمــان…»
وأين هم من أغنية «ثوار ثوار» لأم كلثوم:
«ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار/ مطرح ما نمشي يفتح النوار / ننهض مع كل صباح بحلم جديد/ ثوار نعيدك يا انتصار ونزيد/ وطول ما ايد شعب العرب بالأيد/ الثورة قايمة والكفاح دوار…».
وفي السؤال عن الجماهير، يلاحظ غياب الفنانين والمطربين العرب عما يجري في فلسطين، لكنهم ليسوا غائبين عن مواسم الغناء باتجاه التطبيع و«الترفيه» من دون «آه» واحدة من أجل غزة وفلسطين.
أبى صوت أم كلثوم أن يغيب في هذه الحرب، فحضر في حفل أقيم بذكرى وفاتها، وجرى فيه بيع تذكرتين «رويال» بالمزاد العلني، بسعر بدأ بعشرة آلاف جنيه للتذكرة الواحدة، على أن يتم التبرع بالمبلغ لأهالي غزة. ولم يغب اسمها عن الحضور في التظاهرات، رغم ضعفها وقلتها، فتجمّع لأكثر من مرة عدد من المتظاهرين في ميدان أم كلثوم بمدينة المنصورة للتنديد بالعدوان على غزة، مردّدين شعارات مثل: «الشعب يريد تحرير فلسطين» فهل حقاً هذه الشعوب تريد، وقد عجزت حتى عن حمل ناقوس الأغاني الثورية؟ هل ستطرق وتضرب أبواب الأنظمة العربية، لتثبت فعلاً أنها تريد التحرير، وتريد أن تتصالح مع نفسها وروحها بما يليق بها وبغزة وبفلسطين؟