أهمية الأزهار والحدائق في التراث العربي
جريدة الأيام- د. انتصار الدنان
لم يكتف الفنان العربي إلى ما توصل إليه في الفن بأشكاله كافة، بدءًا بالموسيقى مرورًا بفني الرسم والنحت وصولًا إلى الخط والزخرفة، بل لوحظ اهتمامه الكبير بفن الزخرفة خاصة في فن الحدائق وتزيينها بالأزهار والأشجار، وقد اتخذت الزخرفة الإسلامية خصائص مميزة، إن كان لناحية تصميمها وإخراجها أو لناحية موضوعاتها وأساليبها، وقد استخدم الخطّاطون خطوطًا زخرفية جميلة تبرز جمالية زخرفة الحرف، حيث صار الخط أداة فعّالة أثبتت قدرتها على العطاء. كما تعدّدت الفنون التي نشأت منها الزخرفة، حيث برز عنصران مهمّان في الزخرفة، فكانت الزخرفة النباتيّة والزخرفة الهندسية، كما تميز فن العمارة العربية الإسلامية بشخصيته وطابعه الخاص.
هذا، وتُعدّ العناصر النباتيّة مقوّمات أساسيّة في بناء فن الزّخرفة، وهناك نوعان من الزخرفة: الزّخرفة النّباتيّة، والزّخرفة الهندسيّة، وتمثّل الحدائق جانبًا من الحضارة الإنسانيّة التي تعكس تفاعل الإنسان مع الطّبيعة، فالنباتات ليست مجرد مساحات خضراء يمتّع الناظر إليها نظره فيها، بل هي تساهم في تجميل الأمكنة، وتوفر الراحة النفسية وحماية البيئة من التلوث، وطبعًا يعود ذلك إلى ثقافة كل بلد على حدة.
لقد انتشر تأثير الفنّ العربي منذ القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي) في الأندلس (إسبانيا) ممتدًّا إلى المغرب العربي، وتتميّز العمارة الإسلاميّة بشخصيّتها وطابعها المميّز، الذي تتبيّنه العين، لذا، كان اهتمام الفنان العربي المسلم بهذه العمارة، والتي يهتم فيها أيضًا بزخرفة الحدائق من خلال النباتات، لذا، كان لا بد من زراعة الحدائق في المدن، وبالطبع يعود ذلك لأسباب عديدة، منها: تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث خاصة في المدن المكتظة، وبتوفير مساحات للترويح عن النفس.
الأدب والحدائق
لا نستطيع فصل الأدب عن الحدائق، إذ إن الحدائق تساعد الأديب على الإلهام، وقد وجدنا العديد من النصوص الأدبية على مرّ العصور تحمل وصفًا عميقًا لجمال الطبيعة والحدائق، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الحدائق ليست مجرد نباتات وأشجار يزرعها الإنسان هنا وهناك، بل هي قصة إنسانية عميقة تعكس علاقة الإنسان بالأرض والجمال والحياة. فإن فن الحدائق وثقافة الأزهار لهما جذور عميقة في أدبنا وتراثنا العربي، حيث ارتبطَا بالجمال والروحانيّة والتأمّل، وكان لهما تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والثقافية، وقد تميزت الحدائق العربية الإسلامية بتصميمها الخاص، خاصة في بلاد الأندلس، حيث تميّزت حديقة “قصر الحمراء” في غرناطة على سبيل المثال عن غيرها، حيث جمعت بين الماء والخضرة والنقوش الهندسية.
- الأزهار في الشعر:
أدّت الأزهار دورًا رمزيًّا في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، فالورود على سبيل المثال كان لها رمزيّتها بحسب ألوانها، وصولًا إلى الأندلس، حيث كان للشعراء كابن زيدون وابن خفاجة دور بارز في وصف الحدائق والأزهار كاستعارات للعواطف.
- الأزهار في النثر:
في كُتب التراث العربي، نجد وصفًا دقيقًا للأزهار والنباتات، ككتاب “الحيوان” للجاحظ و”النبات” لابن سينا، حيث لم تقتصر كتاباتهم على الجمال بل تناولت أيضًا الفوائد الطبية للنباتات.
- الأزهار كرموز روحية:
ارتبطت الأزهار بالتصوّف، حيث كانت رمزًا للتأمّل والروحانية والتقرّب إلى الله، كالصوفيين على سبيل المثال، فقد وصفوا الوردة بأنها تُعبّر عن النفس البشرية في رحلة النقاء.
أما الحدائق اليوم، فهي ليست مجرد مساحات خضراء، بل صارت ملاذًا من ضوضاء الحياة العصرية الصاخبة، ومع تغيّر أنماط الحياة، صارت الحاجة ملحّة لإحياء ثقافة الحدائق كجزء من الهوية الاجتماعية، خاصة بعد التصحّر الذي بدأ يغزو مُدننا بعد اجتثاث الأشجار من أجل بناء الأبنية الشاهقة العملاقة، والمعامل والمصانع التي تبثّ سمومها بشكل كبير، والأزهار والأشجار لا تقتصر على دورها الجمالي، بل تسهم في التوازن البيئي وتعزيز التنوع الحيوي.