العربي الجديد- انتصار الدّنّان
قبل أكثر من شهر، وجّه جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذيرات لمرتادي الكورنيش البحري لمدينة صيدا، جنوبي لبنان، ولصيادي الأسماك، وكذلك المستجمين على الشاطئ، وكل من يستخدم القوارب، مؤكداً أنه يعتزم العمل في نطاق المنطقة البحرية الجنوبية للبنان.
بعد هذه التحذيرات، سارعت السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات، وطلبوا من الصيادين عدم العمل في البحر، لكن هذا الإجراء منع الصيادين من مصدر رزقهم الوحيد، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، كما لم يجر توفير معونات أو مساعدات للصيادين وبائعي الأسماك، سوى مساعدات محدودة.
وتواصل صيادو الأسماك مع السلطات من أجل السماح بالعودة إلى مزاولة عملهم، وبالفعل عاد عدد من الصيادين إلى ممارسة عملهم في البحر على مسؤوليتهم الشخصية. يقول رئيس نقابة صيادي الأسماك في مدينة صيدا، محمد بوجي: “من الطبيعي أن يتخذ الصيادون قراراً بالعودة إلى العمل، فهم يعيشون على ما يقومون بصيده كل يوم بيومه، وإذا لم يشتغل الصياد فلن يستطيع تأمين قوت أسرته. أعيل 25 شخصاً، هم أولادي الأربعة وأولادهم، وجميعهم يعملون في البحر، وعندما لا يعملون لا يمكننا توفير الطعام، لذا قررنا قبل أسبوع العودة إلى الصيد، وبالطبع على مسؤوليتنا الشخصية”.
يضيف بوجي: “يبلغ عمري ثمانين سنة، وليس لدي ضمان، والاستشفاء والطبابة بالمستشفيات غالية، حتى في المستشفى الحكومي، وليس بإمكاننا، ولا حتى بإمكان النقابة تأمين احتياجات الصيادين. نعمل كل عام على تجديد أوراقنا لدى وزارة الزراعة، لكن الوزارة لا تقدم لنا أي مساعدات”.
يتابع: “خلال توقف الصيادين عن العمل، قدم اتحاد الإغاثة حصة مؤنة للبنانيين والفلسطينيين، كما قدمت إحدى الجهات الأهلية في المدينة 50 دولاراً لكل صياد وعامل في (المسمكة)، وهذا غير كاف، فكل مستلزمات الحياة ارتفعت أسعارها، ونحتاج إلى شراء شباك جديدة لأنها تتمزق، كما نكرر تصليح موتورات القوارب، وكل هذا مكلف. لا يملك الصيادون غير المخاطرة بأنفسهم من أجل تأمين لقمة عيشهم، وهم يعملون من منطقة الراهبات جنوبي صيدا إلى منطقة الناعمة إلى الشمال من المدينة”.
ويقول محمد بيضاوي، وهو عضو بنقابة الصيادين: “أغلقنا المسمكة لمدة عشرين يوماً بسبب تهديدات العدو الإسرائيلي، واحتمال قيامه بعدوان على الصيادين، لكن مع مرور الوقت، لم نجد من يقدم لنا المساعدة، فاتخذنا قراراً بالعودة إلى البحر، لأن الصياد إن توقف عن العمل لن يستطيع تأمين احتياجاته. يبلغ عدد العاملين بالصيد، من صيادين وبائعي أسماك نحو 300 شخص، وجميعهم عندهم عوائل، وغالبيتهم يسكنون بيوتاً بالإيجار، لذا ارتفعت صرخات الصيادين، لأنهم يريدون حلاً عادلاً، لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية”.
ويوضح بيضاوي: “لم نستطع توفير نفقاتنا خلال فترة توقف عملنا، لذا، وبعد أن طفح الكيل، تواصلنا مع الجيش اللبناني والمخابرات، وقد تساهلوا معنا كنقابة، لكن على أن يكون الأمر على مسؤوليتنا. يعمل الصيادون اليوم في الأماكن القريبة من الشاطئ، ولا يدخلون إلى عمق البحر، وبالتالي تتقلص كميات الأسماك التي يصطادونها”.
بدوره، يقول اللاجئ الفلسطيني، المتحدر من حيفا، والمقيم في منطقة سيروب شرق مدينة صيدا، مصطفى حلاق: “أعمل في سوق السمك، وقبل شهر وصل تهديد إلى الصيادين من قبل جيش الاحتلال حول إمكانية استهدافهم، فتوقف العمل في البحر، وجرى منع وجود أي فلوكة في البحر من مدينة صيدا حتى الناقورة، وهي آخر نقطة في الجنوب، وفي اتجاه بيروت شمالاً. بعد هذا التهديد توقفت أرزاق الصيادين، وبعد التواصل مع المعنيين في المدينة لم نصل إلى نتيجة. جرى تقديم كرتونة مؤونة للصيادين، أولاً أعطوا اللبنانيين، وفي اليوم الثاني أعطوا الفلسطينيين، أما العاملون في المسمكة فلم يقدموا لهم شيئاً”.
يتابع حلاق: “يعمل في سوق السمك أشخاص يعيلون نحو 250 عائلة، وجميعهم يعيشون من بيع السمك، ونحن نكمل عمل الصيادين، لكن تبين لنا أن هناك تفرقة. يضم سوق السمك نحو 35 فلسطينياً، ونطالب القيادة الفلسطينية بدعمنا، وعلى كل مسؤول فلسطيني التحرك من أجل مساعدتنا. يدفع بائعو الأسماك لنقابة الصيادين إيجاراً للطاولة التي نبيع عليها، علماً أنه ليس مفروضاً أن ندفع، ويجب معاملتنا معاملة الصيادين، وأن يقدموا لنا المساعدات”.
وعن عودة الصيادين إلى البحر رغم التهديدات الإسرائيلية، يؤكد حلاق: “ضغوط الحياة تحتم عليهم العودة إلى العمل، حتى لو تعرضوا للخطر، ونحن مثلهم في هذا، لدينا عائلات ينبغي أن نؤمن لها ما تحتاجه، وقد تواصل الصيادون مع الجيش اللبناني، الذي سمح لهم بالعودة إلى العمل على مسؤوليتهم، فوافقوا. نريد أن نعيش، وغالبية الصيادين والعاملين بالسوق يعيشون كل يوم بيومه. عندي ثلاثة أولاد، وإن لم أعمل فكيف أؤمن طعامهم؟”.