العربي الجديد- انتصار الدّنّان
تكررت تهديدات جيش الاحتلال الإسرائيلي بالقصف، مطالباً سكان عدد من المناطق اللبنانية بإخلائها، لكن الأيام الأخيرة شملت تهديدات طاولت مخيمات مكتظة باللاجئين الفلسطينيين، أخرها مخيم الرشيدية.
وجّه جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذيراً بالإخلاء إلى سكّان عدد من قرى قضاء صور في لبنان، مضيفاً إليها مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، وذلك للمرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي. ويبعد المخيم عن الحدود الفلسطينية اللبنانية نحو 13 كيلومتراً، ويقع على بعد خمسة كيلومترات جنوبي مدينة صور، وتقدر مساحته بـ228 دونماً، ما يجعله أكبر مخيمات منطقة صور الثلاثة، ومن بين أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان البالغ عددها 12 مخيماً.
ويتكون مخيم الرشيدية من مخيمين، قديم وجديد؛ الأول أقامته الحكومة الفرنسية لإيواء اللاجئين الأرمن الذين قدموا إلى لبنان في سنة 1936، وفي سنة 1949 استأجرت وكالة “أونروا” الأرض من الحكومة اللبنانية، وسكنه اللاجئون الفلسطينيون بعدما هجره الأرمن. أمّا المخيم الثاني، فأقامته “أونروا” في سنة 1963 لاستقبال اللاجئين الذين كان معظمهم يقيم في مخيم غورو بمدينة بعلبك.
وحسب سجلات “أونروا”، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الرشيدية المسجلين لديها 36.595 لاجئاً، بينما يبلغ عدد المقيمين 27.000 لاجئ، في حين تقدر اللجان الشعبية العدد بنحو 22 ألفاً فقط.
وشاعت حالة هلع كبيرة بين سكان المخيم عقب أمر الإخلاء، كونها المرة الأولى التي يصدر فيها أمر مماثل، ما دفع كثيرين إلى النزوح. ويقول مسؤول الإعلام في “حركة فتح” بمنطقة صور محمد البقاعي: “لم يكن التهديد الإسرائيلي المباشر هو سبب النزوح، وإنما ما شكله التركيز الإعلامي من خوف ورعب بين الأهالي. رغم ذلك، لا يتجاوز عدد النازحين 30% من سكان المخيم”.
ويضيف البقاعي في حديث لـ”العربي الجديد”: “بعض الناس الذين نزحوا عندهم أسباب خاصة، وغالبية الذين لم ينزحوا رفضوا تكرار تجربة النزوح التي حصلت بعد التهديد الأول للمنطقة، فعدد منهم لم يجدوا أماكن إيواء، أو لم يجدوا معاملة حسنة في مراكز الإيواء، لذا قرروا البقاء في منازلهم، إضافة إلى أن النازحين يتم استهدافهم في أماكن الإيواء، فقبل نحو شهر استشهد شخصان من مخيم الرشيدية في منطقة الوردانية بعد استهداف أحد مراكز الإيواء، لذا يفضل كثيرون البقاء لأنهم يدركون أنه ليست هناك أماكن آمنة”.
بدوره، يقول اللاجئ الفلسطيني إبراهيم خلف، من مخيم الرشيدية: “حصل تهديد من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، وبعد هذا التهديد غادرت بعض العائلات المخيم، لكن ما زالت أعداد كبيرة فيه، وجاء رفض المغادرة كون الأهالي لا يريدون الذهاب إلى مراكز الإيواء حتى لا تتم إهانتهم أو يشعروا بالذل، وبعض الناس الذين لم يتركوا المخيم لا يملكون المال، ومعظم من غادروا من الأشخاص الميسورين الذين يستطيعون تدبير أمورهم، ويستطيعون استئجار بيوت. لا توجد في مخيم الرشيدية ملاجئ آمنة، ونخشى أن يتم قصف المخيم، لكن ليس باليد حيلة. سأبقى في المخيم ولن أتركه مهما حصل، وبقاؤنا في المخيم هو تعزيز لصمود الناس الذين يرفضون المغادرة”.
ويقول أحد اللاجئين الفلسطينيين في المخيم، والذي طلب عدم ذكر اسمه: “نطلب الحماية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فهناك عدد كبير من الناس لم يغادروا المخيم لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك. في المخيم أطفال يجب تأمين الحماية لهم، وأهلهم لا يستطيعون المغادرة لأنهم لا يملكون المال الكافي، أو لرفضهم العيش في مراكز الإيواء. أنا من الأشخاص الذين نزحوا عقب التهديد السابق للمنطقة إلى أحد مراكز صيدا، وتم طردنا من مركز الإيواء. ليس هناك أماكن يتوجه الناس إليها، لذا نطلب الحماية من الأمم المتحدة، كما نطلب تقديم مواد الإغاثة للاجئين”.
ويؤكد مدير الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة صور عماد حلاق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “منذ الإعلان عن التهديد بإخلاء مخيم الرشيدية، كان من الطبيعي أن يشهد المخيم حركة نزوح، خاصة من العائلات التي تضم مسنين أو حالات مرضية، وقبل قرابة ثلاثة أسابيع حصلت موجة نزوح من المخيم بعد تهديد سابق بالإخلاء طاول المنطقة، لكن عدداً كبيراً من هؤلاء النازحين عادوا إلى المخيم بعدها، وعاد المخيم إلى حيويته الطبيعية. بعد التهديد الأخير، بدأت حركة نزوح جديدة، ولا يمكننا بعد إحصاء عدد الذين غادروا المخيم. كثير من العائلات موجودة في المخيم وترفض مغادرة منازلها، فأهل المخيم جربوا النزوح، ولديهم سوابق متعددة معه، وبالتالي يعلمون حجم المعاناة”.
يتابع حلاق: “الدفاع المدني الفلسطيني في حالة استنفار، وتم التنسيق مع المستشفيات في جوار المخيم في حال احتاجت إلى المساعدة لنقل الجرحى، أو في حال كانت هناك حاجة لنقل مرضى، وطواقمنا موجودة ومستعدة للتدخل إذا ما تم استهداف المخيم، ولدينا مركز طوارئ في مخيم البص القريب، كما أننا على تواصل دائم مع المستشفيات اللبنانية، وبحسب الحالة يتم التنسيق. لا وجود للملاجئ في المخيم، والأشخاص الذين لم يغادروا ظلوا في بيوتهم معتبرين أنها أماكن احتماء، وإذا تعرض المخيم لاستهداف قوي لا نعرف ما الذي سيحصل، لكننا نتمنى أن لا يحصل استهداف وأن يعود جميع السكان إلى منازلهم”.
بدوره، يقول عضو قيادة الساحة للجبهة العربية أبو إبراهيم الدهب، وهو من سكان مخيم الرشيدية: “لن نترك المخيم رغم التهديد بالإخلاء، فنحن أصحاب أرض وأصحاب مشروع شهادة، ولن نكرر خطأ نكبة عام 1948 من جديد. نحن ضيوف على هذه الأرض، ولن نترك المقاومة، ولن نترك المخيم”.
ويستدرك: “بعد التهديد الذي صدر عن الناطق باسم جيش الاحتلال، نزح نحو 40% من سكان المخيم، ولست ألوم أحداً، فالناس لديهم تجارب مع هذا العدو المجرم الذي يقتل الأطفال والآمنين، ويضرب عرض الحائط بكل المواثيق الدولية، وما يجري في غزة ولبنان منذ أشهر أسقط كل الأقنعة عن المؤسسات الدولية وعن مجلس الأمن”.
ومن المخيم أيضاً، يقول اللاجئ الفلسطيني إيهاب محمد: “للمرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان يهدد جيش الاحتلال المخيمات الفلسطينية بهذا الشكل المباشر، وهذه أزمة خطيرة، فالمخيمات الفلسطينية فيها كثافة سكانية كبيرة، ومخيمات صيدا شهدت نزوحاً كبيراً من مخيمات صور وتجمعاتها. قررت أنا وزوجتي وأولادي عدم ترك المخيم، فليس لدينا مكان نذهب إليه، ولن نخرج منه إلا شهداء، فالموت في بيوتنا أفضل من الذل على أبواب مراكز الإيواء. نزحت زوجتي قبل ثلاثة أسابيع مع الأولاد بعدما تم تهديد محيط المخيم، وعندما توجهت إلى أحد مراكز الإيواء لم تستطع الحصول حتى على فرشة لينام عليها الأولاد، حتى الطعام والشراب لم يكونا متوفرين بشكل كاف، وكانوا يحصلون على وجبة واحدة في اليوم”.
شعرت اللاجئة الفلسطينية أم إبراهيم بالخوف رغم أنها عايشت الكثير من الحروب التي مرت على المخيمات الفلسطينية، وعاشت مرارة الحصار والجوع، لكنها تشير إلى أنها كانت صغيرة في السن، وكانت تستطيع الاحتمال، بينما لا تستطيع في عمرها الحالي البقاء في المخيم وسط التهديدات، فهي مصابة بالسكري، وأجرت عملية بتر أصابع في قدمها اليمنى.
تقول لـ”العربي الجديد”: “حالة الذعر عمت مخيم الرشيدية منذ أعلن جيش الاحتلال أن المخيم ضمن المناطق المستهدفة، وأن على السكان إخلاءه. أنا مريضة وبحاجة إلى العلاج الدائم، ولا أستطيع الركض إذا تم استهداف المخيم، ما اضطرني إلى تركه والتوجه إلى بيت أختي في مخيم عين الحلوة. ابني وزوجته وأولادهما ظلوا في المخيم وهم يرفضون الخروج منه، إذ لا مكان نذهب إليه، وفي الوقت نفسه ابني عاطل من العمل وليس لديه مال، ويتدبر أمره مع زوجته بالإمكانيات الموجودة في البيت، فكلنا في المخيمات ندخر المعلبات والأرز والطحين والزيت في بيوتنا. سأبقى عند أختي ليومين أو ثلاثة، وعلى ضوء ما يحصل سأقرر العودة إلى مخيم الرشيدية، فالحياة في المخيم ما زالت تسير بشكل طبيعي، ومن تركوا المخيم هم بمعظمهم من كبار السن والمرضى مثلي، أو من العائلات التي تضم أطفالاً صغاراً”.