مقالات

هل تنتقل إيران من الردع الاستراتيجي إلى الحسم الاستراتيجي

غسان أبو نجم- المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان

مؤلم ومدروس، وفي عمق الكيان وبنيته العسكرية جاء الرد الإيراني على جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ الشهيد إسماعيل هنية، التي قام بها الكيان الصهيونى أثناء احتفالات الجمهورية الإسلامية الإيرانيه بتنصيب الرئيس الجديد بعد استشهاد رئيسي لم يكن هذا الرد مؤلمًا للكيان الصهيونى وحلفائه في الناتو فقط، بل لتيار واسع من مثقفي الطابور السادس الثقافي (مثقفي وإعلاميي البترو  دولار/ صحفيين ومرتزقة بلاط، وخدمة منصات إعلامية ومتكسبين وخريجي صحف صفراء ومدراء مراكز دراسات ممولة، الذي نشط في الآونة الأخيرة في تشويه صورة إيران ودورها في المنطقة، وقدرتها على الرد، ومصداقيتها في دعم محور المقاومة إلى جانب ما يروجه الذباب الإلكتروني، وتتناقله شريحة كبيرة من الصهاينة الوظيفين. ما يثير الاهتمام ليس حجم وقوة ودقة الرد الإيراني، الذي أربك قادة الكيان الصهيوني، الذين ما زالوا يعيشون نشوة النصر بعد اغتيال أمين عام حزب الله، ويتوعدون وينثرون التهاني والتطمينات لحلفائهم، ويظهر نتنياهو كديك المزابل، يستعرض قوة الكيان الصهيونى العسكرية والاستخباراتية ليأتي الرد مفاجئًا ومدمرًا وعنيفًا ومتجاوزًا كل الدفاعات الجوية للكيان وحلفائه، وبدل أن تدعو حكومة الكيان جمهورها للخروج إلى الشوارع للاحتفال بالنصر الموهوم سارعت لدعوتهم للدخول إلى الملاجئ، وأصبحت كل مدن فسطين المحتلة، من شمالها إلى جنوبها غير آمنة، وتحت مرمى الصواريخ الإيرانية، والهجمات الصاروخية للمقاومة اللبنانية مترافقة مع عملية ميدانية للمقاومة الفلسطينية في وسط تل أبيب.
هذا التناغم الذي أظهره محور المقاومة في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين، مستظلًا بالرد الإيرانى أصاب الكيان الصهيونى وحلفائه بحالة تردد وذهول غير مسبوق ،حيث ظهر هجاري مرتجف الأذنين ليعلن عن رد عنيف للجيش الصهيوني، ليتراجع بعد أقل من ساعتين، ليعلن أن الكيان سيرد في الوقت والطريقة المناسبتين، وأعلنت رأس الشر العالمي أن الضربة الإيرانية ضعيفة، ولا تستوجب الرد رغم علمها التام أنها غير ذلك، ودعت حليفها الصهيونى للتريث وضبط النفس.
جاءت هذه الدعوة الأمريكيه بعد إعلان الرئيس الإيرانى بأن إيران ستدمر البنية التحتية والاقتصادية للكيان، إذا فكر بالرد، وتهديده لأي طرف ثالث من التدخل، وهذا التصريح يحمل أكثر من وجه، فهو من جهة موجه للكيان الصهيونى بأن الضربة الإيرانية استهدفت المواقع العسكرية فقط، رغم علم إيران بالمواقع الاقتصادية والبنى التحتية التي لا يرغب في ضربها الآن، ويوجه رسالة لأمريكا بعدم التدخل في هذه المعركة، والرسالة الأهم ان هذا التهديد صدر عن أعلى مستوى سياسي، وهو الرئيس، ولاحقًا صدر عن وزير خارجيته، وتوج بالمرجعية الدينية العليا في خطبة الجمعة في طهران، وقد برر الرئيس الإيرانى تأخر الرد الإيرانى في الرد على اغتيال هنية بسلسلة الوعود الكاذبة، والخديعة التي تعرضت لها إيران بعدم الرد مقابل وقف إطلاق النار، ووقف العدوان على قطاع غزة، وهذا ما لم يلتزم به الكيان الصهيوني، بل تمادى وهاجم لبنان، وقام بسلسلة اغتيالات في قيادة حزب الله، والتحضير لهجوم بري على لبنان، ما استدعى ضرورة الرد الإيراني، لا بل استنفار محور المقاومة لشن ضربات موجعة للكيان، لوقف حالة الهستيريا الصهيونبة التي عاشها قادة الكيان الذين يدفعون المنطقة لحرب إقليمية واسعة.
إن التهديد الإيراني الأخير للكيان انتقل من المستوى العسكري للحرس الثوري/الجيش الإيرانى إلى المستوى السياسي الرئيس/وزير الخارجية الإيراني والمرشد الإيراني يدفعنا للقول إن إيران الآن تضع قدمها في خانة الحسم الاستراتيجي إذا حاول الكيان الصهيونى الرد على الضربة الإيرانيه أو استهداف المواقع النووية أو النفطية الإيرانية،
ما يعزز هذه الرؤية ما يمارسه الكيان الصهيونى وقادته المجانين في دفع الإقليم إلى شفا حرب إقليمية سيكون لها ارتدادات عالمية خطيرة، فالكيان يفتك في التجمعات السكانية الفلسطينية المدنية في قطاع غزة دون تحقيق أي هدف مما أعلنه، ويقوم بتدمير بنية المجتمع الفلسطيني في الضفة الفلسطينية، ويضرب ويعربد في لبنان جنوبا وشمالا، ويضرب داخل الأراضي السورية، ويقصف في اليمن، ويغتال الشهيد هنية في طهران، ويتحدى العالم بكل صلافة في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يستدعي ضرورة وضع حد لهذه العجرفة الصهيونبة التي دفعت نتنياهو لطرح عمق مشروعه أمام العالم أجمع بأن الهدف من هذه العملية العسكرية في المنطقة تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ايران والشرق الاوسط الجديد
إن أهم اشتراطات تشكل شرق أوسط جديد حسب الرؤيا الأمريكيه/الصهيونبة القضاء على المقاومة في اليمن وفلسطين ولبنان، وأي مقاومة في الإقليم، وفك ارتباط هذا المحور المقاوم بالجمهورية الإيرانية التي يشترط خروجها من الجغرافيا السياسية للإقليم، لتحقيق شرق أوسط جديد، بقيادة صهيونية، ودعم مطلق لشريكتها الأمريكية.
لقد أدرك الإيرانيون هدف الصهيونية الفاشية الدينية وشركائها في حلف الناتو، وعلى رأسها أمريكا التي حاولت الاستفراد بكل طرف على حدى من أطراف محور المقاومة، لكن لم تأت الغلة متسقة مع حسابات البيدر، فالمقاومة في فلسطين، وبعد مرور عام على حرب الإبادة الجماعية التي شنها الكيان الصهيونى مازالت تقاوم وبقوة، لا بل تقف الضفة الفلسطينية الآن على حافة الانفجار في وجه الكيان الصهيونى والمقاومة اللبنانية، رغم محاولات العدو إحداث حالة الاختلال في منظومة القيادة، والسيطرة على حزب الله عبر سلسلة الاغتيالات لقيادته العسكرية والسياسية، وتكثيف النيران على بيئته الحاضنة في الضاحية الجنوبية، وتفجيرات البيجر وأجهزة الاتصال. رغم كل ذلك وقفت المقاومة اللبنانية بكل قوة أمام جيش الإبادة الصهيونى في الجنوب الذي يشن حرب برية، واغرقوا الكيان الصهيونى بالرشقات الصاروخية والمسيرات، و مازالت المقاومة اليمنية تسيطر على معابر السفن في بحر العرب، والبحر الأحمر، وتطلق الصواريخ الفرط صوتيه باتجاه العمق الصهيوني، إضافة للمقاومة العراقية التي تضرب في جنوب فلسطين، وتضرب المقاومة الفلسطينية في تل أبيب عبر عملية نوعية. جاء هذا متوجًا بضربة إيرانية قاسية وموجعة شملت كل مدن الكيان، لتفشل بذلك حلم الكيان الصهيونى بشرق أوسط جديد.
إن مجمل التطورات المتلاحقة والمتدحرجة بشكل دراماتيكي، التي تدفع باتجاه مواجهة إقليمية أو حرب غير معلنة في الإقليم، التي يجهد العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، لإيجاد حلول سياسية لها عبر تدخل وسطاء في سويسرا وقطر التي حملت رسائل من الولايات المتحدة الأمريكيه القائد الفعلي لهذه الحرب للدولة الإيرانية، وتحمل حلولا للحرب على غزة ولبنان، ويدرسها الآن الطرف الإيراني إن لم تحقق حلا يتوافق مع متطلبات محور المقاومة، وحاول الكيان الصهيونى الرد على الضربة الإيرانية، فستتجه المنطقة إلى المواجهة الواسعة التي ستطال إيران رأس محور المقاومة، وقوته الداعمة التي لن تجد خيارًا حينها سوى الحسم الاستراتيجي الذي يحافظ على توازن الإقليم ويعيد لكل ذي حق حقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى