العربي الجديد- انتصار الدنان
يُواجه النازحون السوريون من الجنوب اللبناني واقعاً مأساوياً في ظل عدم استقبالهم في مراكز الإيواء في مدينة صيدا، لينام البعض في العراء.
لم تكفهم ويلات الحرب التي عاشوها في بلدهم الأم سورية. هربوا إلى لبنان علهم ينعمون بالأمان والاستقرار إلا أنهم كانوا ضحية للعدوان الإسرائيلي. عددٌ كبير من النازحين السوريين الذين لجأوا إلى مدينة صيدا (جنوب لبنان) خلال الأيام الأخيرة، اضطروا إلى الهرب سيراً على الأقدام، أو على الدراجة النارية، ومنهم من استطاع تأمين سيارة، بعد استهداف طيران العدو الإسرائيلي أماكن سكنهم. واستغرق الوصول إلى صيدا حوالي سبع ساعات. استقبلهم شبان المدينة وقدموا لهم المياه ووجهوهم نحو بلدية صيدا التي يفترض أن ترشدهم إلى إحدى المدارس. لكن البلدية أبلغتهم أن هذه المراكز للبنانيين والفلسطينيين، فعادوا أدراجهم وتوجهوا نحو ساحة الشهداء حيث قضى الرجال ليلتهم في العراء. واستقبلت عائلة من صيدا النساء والأطفال حيث باتوا ليلتهم. وفي الصباح، عادوا إلى الساحة.
تقول النازحة السورية التي كانت تقيم مع زوجها وأولادها في بلدة أنصار في جنوب لبنان، زينة عمار: “نزحنا في البداية من سورية إلى لبنان بسبب الحرب، ونعيش فيه منذ أكثر من عشر سنوات. وعندما بدأ القصف وسقطت صواريخ بالقرب من بيتنا، نزحنا نحو مدينة صيدا. وعندما وصلنا بعد أكثر من سبع ساعات، توجهنا إلى البلدية، وهناك رفضوا أن نذهب إلى أي مدرسة أو أن نسجل أسماءنا، وأبلغونا أن الأولوية هي للنازحين اللبنانيين. نزح أهلي قبلي، وكنت لوحدي، وعندما نزحت وعرفت مكانهم ذهبت إليهم وبتنا ليلتنا في ساحة الشهداء”.
وتشير إلى “وجود الكثير من المبادرات الفردية التي قدمها لنا شباب المدينة، لكننا بحاجة إلى مكان لننام فيه. نحن خمسة أفراد، أنا وزوجي وأولادي الثلاثة أكبرهم في الثامنة من عمره وأصغرهم في الخامسة من عمره. الأولاد خافوا عندما بدأ القصف. أين سنذهب؟ وأين سنبيت؟ لا نستطيع العودة إلى سورية ولا أعرف ماذا أفعل”.
من جهته، يقول إسماعيل حمود، وهو لاجئ سوري من مدينة عفرين في محافظة حلب، ونازح من قرية برج رحال (قضاء صور) إلى صيدا: “عندما بدأ القصف، هربنا وجئنا إلى صيدا، فأخذنا شبان إلى مدرسة حيث قيل لنا إنه يتوجب علينا الذهاب إلى بلدية صيدا لتسجيل أسمائنا. في البلدية، أبلغونا أنه ممنوع تسجيل السوريين، والأولوية للبنانيين والفلسطينيين، وأننا تابعون لمنظمة كاريتاس. تواصلنا مع الأخيرة فتبين لنا أنه لا يوجد موظفون في المركز. عدنا إلى البلدية، فطلبوا منا أن نتواصل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكن أحداً من موظفيها لم يرد. حاولنا مع البلدية خمس مرات من دون جدوى. نمنا في الشارع. نحن عشر عائلات وعائلتي مؤلفة من ستة أشخاص. لا نأكل ولا يوجد مراحيض. في الوقت نفسه، لا نستطيع العودة إلى سورية لأننا مع المعارضة. خلال حرب يوليو/ تموز 2006، استقبلت سورية اللبنانيين من دون أي تفرقة”.
وتقول النازحة السورية من مدينة عفرين (في محافظة حلب) روجيد نحسودادو، والمقيمة في بلدة القاسمية في جنوب لبنان منذ ست سنوات قبل الانتقال إلى صيدا: “عندما بدأ القصف بالقرب من القاسمية، هربنا سيراً على الأقدام لمسافة بعيدة إلى أن أقلنا أحد المارة بسيارته أنا وزوجي وأولادي. وصلنا عند التاسعة من مساء الاثنين الماضي ونمنا في العراء. لم يقبل أحد استقبالنا. كنا نأكل البسكويت ونقضي حاجتنا خلف الحائط. ابني مصاب بالتلاسيميا، ويحتاج إلى نقل دم كل شهر، واليوم لا طعام ولا شراب. نحمد الله أنها لم تكن تمطر. لكن عند الظهر، تشتد حرارة الشمس ولا نعود قادرين على الاحتمال. ابني صغير ومريض. قالوا لنا إن الأولوية للبنانيين. الإنسانية لا تفرق بين سوري ولبناني”.
إلى ذلك، تقول نبيلة عبد الله كوسو، النازحة من مدينة عفرين، والمقيمة في برج رحال في صور قبل الانتقال إلى صيدا: “نحن ستة أشخاص. كنت أنا وزوجي نعمل في بساتين الموز، فسقط صاروخ بالقرب منا، خفنا وهربنا بسيارتنا كما هرب جيراننا على دراجتهم النارية. كان الطريق مزدحماً جداً. لم نستطع الوصول إلى صيدا إلا بعد سبع ساعات. نمنا في الحديقة لأننا لا نستطيع التسجيل في البلدية، أبلغونا بأن الأمم المتحدة هي المسؤولة عنكم، والأمم غير موجودة هنا، ونحن لا نعلم ماذا نفعل”.
بدوره، يوضح النازح من مدينة عفرين كمال موسى حامد، والمقيم في منطقة دير قنطار (قضاء بنت جبيل): “نحن أربعة أشخاص. سيلحق بي ابني ومعه أربعة أشخاص، هم زوجته وأولاده. أنا في انتظارهم. سيأتون سيراً على الأقدام لأنه ليس معهم سيارة. طلبت سيارة الأجرة منهم 60 دولاراً. افتتحوا أبواب مدرسة بالقرب منا. توجهنا إليها ورفضوا استقبالنا إلا بعد تسجيل أسمائنا في قوائم البلدية. إلا أن البلدية رفضت لكوننا سوريين”.