أبرزثقافة

غزة شقيقة أهل الكهف العربي

مروان عبد العال

قرأت مرة حكاية غريبة وغير مألوفة اسمها (شقيق النوم) لكاتب إسمه شنايدر “روائي  نمساوي” والذي يطرح قضايا فلسفية كبرى ..
بطل الرواية هو “يوهانس إلياس أدلر”، الموسيقي العبقري الذي انتحر في سنّ الثانية والعشرين،
هل تعرفوا كيف انتحر؟ من خلال امتناعه عن النوم كليًا.
سألت كيف يموت من لا ينام ، وعندما يموت من ينام ! سيّما وأننا ننام والإبادة في غزة لا تنام ؟ قد يكون الجواب نموت عندما لا ينام النازي.
فالموت القاتل كالنوم القاتل تماماً، يرتفع  الشّخير المقزز والمميت، إشارة  للنزع الأخير، مع  ضجيج الصواريخ وانفجارات القنابل و أزيز الرصاص وصراخ الجوعى والجرحى  والثكالى، كي يوقظ النّيام ولكن لا حياة لمن تنادي، كلما ارتفع صخب الموت، تكشف عوارتهم أكثر  وسباتهم العميق  يساوي بين  نوم الضمائر وموتها.
إنه “الاعتياد” أو قبول المشهد مهما كان وحشيا ً عجائبياً، نعتاد “اللا معقول” في نوم الشعور بالآخرين أو موته، وفقدان الإحساس والتألم من أجلهم،  كبت التعاطف والتأقلم المزمن على جوعهم ونزوحهم ومعاناتهم، نوم الشعوب هو إغلاق لنافذة الحياة التي تطل علينا، لمجرى التنفس الذي ينبض بروحنا.
يحدث الآن في غزة على يد مجرمي حرب، وعلى الجانب الآخر نامت نواطير أهل الكهف العربي، عندما يخرج العالم  في مظاهرات صامتة وصاخبة لكل الجنسيات حتى  للصم والبكم، وللطلاب والشباب والشيوخ والنساء والرجال، وغزة  تُحرر العالم  وتهتف ” فلسطين من البحر إلى النهر” وتوقظ بذلك سبات العالم وتصفع المجتمع الدولي وتخشّب قوانين العدل وحقوق الإنسان والنيوليبرالية والإمبريالية، وقد تعدت أيضاً كونها تعاطف بسبب الألم من مشاهد الضحايا والشهداء والأطفال، يوم العالم قرر أن لا ينام، ومع أن ذلك جزء من السبب، لكنه تضامن من أجل الحقيقة والتعاطف من أجل إنهاء الاحتلال والاستعمار.
ينقسم أهل الكهف العربي، منهم نيام ولكنهم يُعِدُّون لنا الجنازة  وأخرون نِيَّام كذلك بإرادتهم ولكنهم  يطربون ليقظة شعوب العالم، إنه سؤال الوعي بامتياز، الوعي النائم الذي يؤسس لسؤال الإرادة  والحرية والعدالة؛ لو نام العالم مثل نوم أهل الكهف لما هبت جنوب أفريقيا تبادر إلى رفع دعوى لمحاكمة “الكيان المحتل” في محكمة العدل الدولية في لاهاي.
نعود لهذا الشاب المولع بحبيته “إليزابيث” وبالموسيقى في وقت واحد، يطوّر موهبة نادرة على تقليد جميع الأصوات التي يسمعها حوله في الطبيعة، أما رفضه النوم فسرعان ما نكتشف أنه ليس بالفعل شكلاً من الانتحار بقدر ما هو ولع بالحياة، على رأي أم كلثوم وما أطال الليل عمراً … ولا قصر بالأعمارِ طول السّهر ..
ذلك أن الموت كما نستدل من عنوان الرواية هو شقيق النّوم، فلا تقتلوا غزة بنومكم، قدرها أنها شقيقة أهل الكهف العربي، وغزة تسخر منكم ولا تنام، تظل شاهدةٌ على قلوبكم وشوارعكم وساحاتكم وعلى برودة أعصابكم، لأنها نارنا التي تأبى أن  تموت، فلا تنتحروا بنومكم فهي باقية قصيدة لا تنتهي.
ولكنها تقول لكم: وإذا الشّعبُ أرادَ الحياة فلا بُدَّ أن يحدق جيداً مستيقظاً، حذراً كالحلم، قد يكون قول شيمبورسكا محقاً  “ليست الأحلام هي المجنونة، المجنونة اليقظة”.
مفكرة الهدف
عدد تموز/يوليو من مجلة الهدف، ويحمل العدد الجديد الرقم (1534) في التسلسل العام، والستون في النسخة الرقمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى