أبرزحوار وشخصيات

حوارنائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرفيق جميل مزهر “الذكرى السابعة والخمسين لانطلاقة الجبهة تأتي في ظل الظروف العصيبة والمعقدة والمصيرية من تاريخ شعبنا كدعوة لتجديد العهد مع شعبنا ومقاومتنا”

بوابة الهدف- محمد أبو شريفة- مدير تحرير مجلة الهدف

حاورت “الهدف” في الذكرى 57 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر  لرصد التحولات على الصعيد الداخلي للجبهة وعلى صعيد القضية الفلسطينية والتحولات التي جرت على المشهد العربي والدولي لتبيان اللحظة التاريخية الفاصلة في القضية الفلسطينية وجاءت إجابات الرفيق نائب الأمين العام لتضع النقاط على الحروف، فالجبهة استطاعت وعبر مؤتمرها الوطني الثامن أن تعزز الشرعية داخل مؤسساتها في الوقت الذي شاركت فيه الجبهة مع قوى المقاومة الفلسطينية في المعركة سواء في غزة أو الضفة الفلسطينية أو لبنان ، هذه المشاركة التي أعطت حيوية استثنائية للجبهة ، ومع هذا فإن الرفيق مزهر لم يخف القلق على بعض الملفات الفلسطينية المتعلقة في المقاومة والوحدة الوطنية ، وأما على الصعيد العربي والدولي فقد عبر مزهر عن تمنياته بأن تكون المستجدات والتطورات رافعة للقضية الفلسطينية وداعمة للمقاومة والحق الفلسطيني.

1.    تأتي الذكرى 57 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ظل أحداث خطيرة تعصف بالقضية الفلسطينية والمنطقة، كيف تقرؤون مسار الحدث وتداعياته على المستوى الوطني والقومي والعالمي لا سيما بعد دخول معركة طوفان الأقصى عامها الثاني؟

تأتي هذه الذكرى المجيدة هذا العام مُحمّلة بمعاني الفخر والإصرار والاستمرار على النهج الذي خطّه القادة المؤسسون/ جورج حبش ، ووديع حداد، وأبو علي مصطفى، وأبو ماهر اليماني، وشادية أبو غزالة، وغسان كنفاني، وجيفارا غزة، وقائمة طويلة من قادة وشهداء الجبهة.

وبهذه المناسبة، نتوجّه بالتحية  إلى الرفيق الأمين العام، القائد الوطني المقدام أحمد سعدات وجميع الرفيقات والرفاق في سجون الاحتلال وفي مقدمتهم الرفيقتين المناضلتين خالدة جرار وعبلة سعدات. كما نتوجّه بالتحية إلى عموم رفاقنا في كل ساحات ومواقع النضال، وإلى جماهير شعبنا الفلسطيني خاصة في قطاع غزة الباسل، وجميع المقاومين الذين يسطرون بدمائهم وتضحياتهم أبهى صور الصمود والمقاومة.

لقد شكلت انطلاقة الجبهة الشعبية علامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني، إذ حملت – وما زالت – راية المقاومة الشاملة والنهج الثوري التحرري الذي لا يحيد عن ثوابت قضيتنا الوطنية وأمتنا العربية، وها هي اليوم تواصل حضورها في ميادين المقاومة والتضحية تُقدم أغلى التضحيات من قادتها ومقاتليها على مذبح التحرير والعودة.

وتتزامن هذه الذكرى مع أحداثٍ خطيرة تعصف بالقضية الفلسطينية والمنطقة؛ حيث تستمر الحرب المدمّرة على شعبنا في قطاع غزة بكل وحشيتها وهمجيتها، إلى جانب الهجمة الاحتلالية الواسعة على الضفة المحتلة، حيث تتسارع مخططات الضم والتهويد والاستيطان، في تأكيد جديد على الطبيعة الإجرامية للكيان الصهيوني وداعميه.

كما تأتي ذكرى الانطلاقة عشية دخول معركة “طوفان الأقصى” عامها الثاني، لتكرّس مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال، ورغم حرب الإبادة الوحشية، والمجازر اليومية، والحصار والتجويع، لا زالت المقاومة مستمرة وتخوض معركة استنزاف طويلة لقدرات الاحتلال بكل السبل والإمكانيات المتاحة.

في هذه المرحلة من معركة الدفاع عن شعبنا على الأرض في قطاع غزة هناك نجاح تسجله المقاومة في تكبيد العدو خسائر كبيرة، بينما ركّز الاحتلال سياساته الانتقامية على التدمير والتجويع وقتل أكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا في القطاع الصامد، بهدف تحقيق أهدافه في التطهير العرقي والطرد والتهجير، خاصة في شمال قطاع غزة.

وعلى المستوى الوطني، صحيح أن هذه المعركة أظهرت وحدة الإرادة الشعبية الفلسطينية التي تجسدت في بسالة المقاومة وصمود أهلنا في غزة، والضفة المحتلة، وفي الشتات، إضافةً إلى تصاعد العمليات البطولية في الضفة المحتلة؛ إلا أن الحراك الفلسطيني الداخلي لم يرتقِ بعد إلى مستوى المحرقة وحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال، ولم تتبلور استراتيجية مواجهة موحّدة للتصدّي للعدوان رغم الاتفاق الوطني على ذلك؛ كما أن استمرار الصراع على السلطة والتجاذبات والانقسامات، مما أضعف الموقف الفلسطيني حتى الآن وقدرته على بلورة رؤية موحدة تشكل ضغطاً حقيقياً لوقف العدوان وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية.

أما على المستوى القومي، فلا تزال حالة الانقسام العربي تشكّل تحدياً كبيراً أمام القضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل تخاذل بعض الأنظمة العربية وتورطها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في هذه الحرب ومعاناة شعبنا، وسعي بعضها لتطبيع العلاقات مع الاحتلال على حساب حقوق شعبنا المشروعة؛ كما تحاول الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني ربط مسار وقف الحرب على غزة بمسار التطبيع العربي وإجراءات أخرى تُعزز من وجود الاحتلال وتحميه في المنطقة.

إلى جانب ذلك، ساهمت حالة الضعف التي تعايشها الحاضنة الشعبية العربية لقضيتنا، وانشغال الشعوب العربية بهمومها المعيشية والاقتصادية؛ فهذا التراجع، يعززه ضعف دور القوى الشعبية العربية لاسيما التقدمية منها وعدم تصديها الجدي للتطبيع، أو خلق حالة جادة من التضامن العربي الحقيقي مع الشعب الفلسطيني ومقاومته.

وعلى الصعيد العالمي، أرست الحرب على غزة تحوّلات مهمة في الرأي العام العالمي، حيث تزايدت الأصوات التي تدين الاحتلال وكل من يدعمه، فلأول مرة تندلع احتجاجات عارمة في الجامعات الغربية خاصة في أمريكا وبريطانيا دعماً لغزة ورفضاً لحرب الإبادة التي تشن عليها.

 ومع ذلك، يبقى الدور الأمريكي والغربي الداعم للعدوان الصهيوني التحدي الأكبر أمام شعبنا، مما يفرض علينا تعزيز التحالفات مع القوى الدولية المناهضة للاستعمار والصهيونية، والضغط لتوسيع دائرة التأييد العالمي لقضيتنا.

وبالعودة إلى الذكرى السابعة والخمسين لانطلاقة الجبهة فهي تأتي في ظل هذه الظروف العصيبة والمعقدة والمصيرية من تاريخ شعبنا كدعوة لتجديد العهد مع شعبنا ومقاومتنا، والعمل المستمر لتعزيز وحدتنا الوطنية ورصّ صفوفنا لمواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بقضيتنا؛ فالحرية تُنتزع بالنضال، والمقاومة هي طريقنا لتحرير الأرض واستعادة الكرامة.

2.    ما تعليقكم على اتفاقيات وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وجبهات المقاومة في لبنان وغزة؟

تشير التطورات والتحركات التي سبقت وأعقبت قرار وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الصهيوني، أن الأخير والإدارة الأمريكية ودول الغرب، خاصة فرنسا، قد جعلوا من فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة هدفاً رئيسياً في سياق الحرب الدائرة على غزة، لاسيما مع دخول المقاومة في لبنان معركة إسناد غزة منذ اليوم التالي لاندلاع معركة “طوفان الأقصى”.

هذا الهدف نتيجة لحالة الاستنزاف الكبيرة التي تعرض لها الاحتلال والمستوطنون في مستعمرات الشمال، ورغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لا زلنا نرى أن المقاومة في لبنان وسائر قوى المقاومة في المنطقة هي جزء من هذه المواجهة، وأن لجم العدوان على لبنان يحمل جوانب إيجابية تتمثل في افشال الأهداف الكبرى للاحتلال والتي تشمل المنطقة بأكملها.

إلا أن المواجهة لن تتوقف عند هذا الاتفاق وأن هناك المزيد من جولات المواجهة بين المقاومة والاحتلال، وهذه طبيعة المعركة والتي تتطلب اتخاذ قرارات صعبة ولكنها في النهاية تأتي لمصلحة المقاومة في إطار عملها لاستعادة معادلات الردع.

ورغم الخسائر والتضحيات الكبيرة التي قَدمّها الحزب في لبنان—بما في ذلك استشهاد قادة الصف الأول وعلى رأسهم الأمين العام السيد الشهيد حسن نصرالله على طريق القدس ، والتدمير الهائل في الضاحية الجنوبية ومدن وقرى الجنوب، وشهداء جبهة الإسناد لشعبنا في غزة ، وبهذا الشأن ، ننحني تقديراً لهذه التضحيات الغالية، ونؤكد أن  شعبنا سيبقى وفياً  بل مديوناً لهؤلاء الذين دفعوا كل ما لديهم من أجلنا. لم يطلبوا منا شيئاً حتى التصفيق لهم،  بل اعتبروا أن جميل أفعالهم هو استشهادهم، وأنه مهما حصل لن يتركوا فلسطين، فانتصروا لغزة بدمهم الطاهر.  إنها إرادة المقاومة الصلبة التي منعت تقدم العدو وأفشلت أهداف الاحتلال ومخططاته. وصدقت القول بالفعل أنه رغم جبروت المحتل مهما كان طاغياً ومدمراً ومجرماً لكنه يبقى منكسرا وضعيفاً مهزوزاً أمام إرادة التحرر والكرامة الوطنية.

لذلك موقفنا في الجبهة كما فصائل المقاومة الفلسطينية كان واضحاً منذ التوقيع على الاتفاق أن الجبهة اللبنانية أدت واجبها بشكلٍ كبير وقَدمّت تضحيات هائلة، ونحن نتفهم ونقدر تعقيدات الوضع الداخلي اللبناني والانقسامات السياسية والضغوط الدولية على لبنان والتي أسهمت في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وفي الوقت ذاته لدينا قراءة بأن هذا الاتفاق قد يكون هشّاً وقابلاً للانفجار مرة أخرى، خصوصاً وأن الاحتلال فشل في اقتلاع الحزب أو تقويض قدراته العسكرية الكبيرة.

مرة أخرى، المقاومة الفلسطينية بما فيها فصائل غزة، تؤكد احترامها لقرار المقاومة اللبنانية وتقديرها لظروفها، مع الثقة الكبيرة باستمرار حزب الله في دعم القضية الفلسطينية بأشكالٍ متعددة، فهذه القضية كانت وستظل أولوية ثابتة لديه، بغض النظر عن اتفاقيات وقف إطلاق النار.

أما بالنسبة للوضع في غزة، فإن عدم الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يعود إلى حسابات وأهداف الاحتلال وتوجهاته الاستراتيجية لتصفية قضيتنا سواء من خلال الحرب على غزة أو مشروع ضم الضفة، إضافةً إلى عدم وجود إرادة جدية لدى الإدارة الأمريكية في الضغط للوصول إلى اتفاق، بل واستمرت في توفير الدعم المالي والعسكري والغطاء السياسي لحكومة الاحتلال.

وضمن تلك المواقف عمل رئيس وزراء العدو نتنياهو طوال أشهر العدوان على إفشال أي مبادرات لوقف إطلاق النار، بما فيها مبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي وافق عليها في البداية قبل أن يتراجع عنها بعد ساعات، ومع صعود ترامب وتزايد الضغوط من الإدارة الأمريكية الحالية والقادمة، إضافةً إلى الضغوط الداخلية والخسائر الفادحة التي يتكبدها الجيش، بدأت تظهر مرونة في موقف الاحتلال، لذلك هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة على ضوء التطورات الأخيرة ومنها صعود ترامب ووقف اطلاق النار في لبنان، وهناك جدية من فصائل المقاومة بالوصول إلى وقف العدوان لإنهاء معاناة شعبنا الهائلة ولو على مراحل، ولكن بشرط أن تنتهي هذه المراحل بانسحاب كامل للاحتلال من القطاع وعودة النازحين للشمال والإغاثة والإعمار. ومع ذلك يبقى الأمر مرهوناً رغبة نتنياهو الحقيقية في التوصل إلى اتفاق، خاصةً في ظل رغبة ترامب في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار قبل توليه رسمياً السلطة وتأثيره على موقف نتنياهو ودفعه نحو الاتفاق.

3.    في خضم حرب الإبادة الصهيونية بحق شعبنا في غزة كيف تقيم أداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على المستوى السياسي والعسكري والاجتماعي؟

أداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال حرب الإبادة الصهيونية الجارية بحق شعبنا في قطاع غزة وعموم فلسطين، مرتبط بنهجها التاريخي الذي يركز على التكامل بين (المستويات السياسية، العسكرية، والاجتماعية) مع الاختلاف النسبي في الأداء بين مستوى وآخر؛ فمنذ بداية العدوان، لعبت الجبهة دوراً محورياً في معركة المواجهة والتصدي للعدوان، وصولاً لجهود ومبادرات لا تتوقف من أجل تعزيز صمود شعبنا، من خلال حراكها السياسي المتواصل لوقف العدوان، وأدائها الميداني والكفاحي إلى جانب فصائل المقاومة في خطوط المواجهة المتقدمة مع الاحتلال، إلى جانب دورها الإغاثي في تعزيز صمود شعبنا والتخفيف من الأعباء الهائلة التي يتعرض لها.

على الصعيد العسكري، يخوض مقاتلو الجبهة الشعبية، جنباً إلى جنب مع باقي فصائل المقاومة، معركة استنزاف حقيقية ضد العدو الصهيوني، وتنهض الجبهة في واجبها ودورها في توجيه ضربات مؤلمة إلى الاحتلال في جبهات القتال. كما كان للجبهة إسهام متميز في التصدي للاجتياحات البرية وفي العمليات الدفاعية داخل قطاع غزة وحتى في جبهة لبنان، وأيضاً في التصدي لاقتحامات الاحتلال لمدن وقرى الضفة.

وفي السياق ذاته، نستذكر بفخر تضحيات الجبهة في الساحات المختلفة التي قدّمتها خلال معركة طوفان الأقصى من خيرة قادتها ومقاتليها وكوادرها، وعلى رأسهم الشهيد الرفيق نضال عبد العال، عضو المكتب السياسي ومسؤول دائرتها العسكرية والأمنية، الذي استشهد بعد حياة حافلة بالنضال دفاعاً عن أرضنا وكرامة شعبنا وحقوقنا الوطنية.

وعلى المستوى السياسي، كثفت الجبهة جهودها لتوحيد الصف الوطني في ظل الحرب الصهيونية الدائرة على شعبنا، حيث أجرت سلسلة لقاءات مع القوى الفلسطينية، وعلى رأسها حركتا فتح وحماس، بهدف تحقيق توافق وطني لمواجهة العدوان، وطرحت رؤية واستراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إنهاء الحرب، وكسر الحصار، وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني. كما شاركت الجبهة في مشاورات مع دول عربية لصياغة رؤية فلسطينية متكاملة تشمل وقف العدوان وضمان إدارة فلسطينية توافقية بعيداً عن أي تدخلات أو ضغوط خارجية.

وعلى المستوى الاجتماعي، أولت الجبهة أهمية كبرى لتعزيز صمود المجتمع الفلسطيني، من خلال لجان متعددة للإسناد المجتمعي التي تعمل على دعم العائلات المتضررة وتقديم الإغاثة اللازمة للجرحى والمشردين، ورغم هذا الجهد نرى أن احتياجات شعبنا لا زالت تتطلب بذل المزيد وتحتاج لتجنيد كل الطاقات والموارد الوطنية، كما تتصدى الجبهة لمحاولات الاحتلال استهداف البنية المجتمعية في الضفة المحتلة أو تمرير مخططاته الاستيطانية.

باختصار، الجبهة تعمل اليوم ضمن رؤية للمقاومة المتكاملة، التي تجمع بين الكفاح المسلح، والعمل السياسي، والدعم المجتمعي، في سبيل وقف العدوان بشكلٍ عاجل، وتعزيز صمود شعبنا، وتوحيد الموقف الفلسطيني دفاعاً عن وجود شعبنا وقضيته وحقوقه.

4.    الجبهة الشعبية عقدت اجتماعات ولقاءات وشاركت بالحوارات الفلسطينية مع مختلف القيادات والفصائل الفلسطينية لبلورة مواقف مشتركة لمواجهة التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، كيف تقيم هذه اللقاءات؟

نرى أن اللقاءات والحوارات الفلسطينية بين مختلف الفصائل والقيادات الوطنية ضرورة وواجب أساسي وليس ترف أو أمر ثانوي، وهي إجراءات مهمة يجب اتخاذها لتذليل العقبات وتحقيق حالة من التوافق الوطني لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وخاصة الوصول إلى هدف وقف العدوان.

وقد أسفرت عن تحقيق بعض التقدم في معالجة الإشكاليات العالقة، وتحديد نقاط الالتقاء المشتركة بين الأطراف المختلفة، وهذه فرصة لنؤكد على رؤيتنا أن التوافق الوطني الفلسطيني هو حجر أساس في اسقاط أهداف العدوان، واستعادة القدرة الفلسطينية على المواجهة الشاملة لمشروع التصفية وحرب الإبادة.

ومع ذلك، فإن هذه الحوارات لم ترتقِ بعد إلى مستوى تحقيق اختراق نوعي يؤدي إلى توافق شامل، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق على جدول زمني واضح لتنفيذ الاتفاقيات الوطنية السابقة، كما لا تزال الانقسامات السياسية والجغرافية قائمة، ما يشكل عائقاً أمام تحقيق وحدة حقيقية تستند إلى برنامج وطني جامع لمواجهة الاحتلال ومخططاته.

و لإنجاح هذه الجهود، نعمل في الجبهة على الوصول إلى مقاربات جديدة تتجاوز الصيغ التقليدية للحوار، وتعتمد على معالجة جذور الانقسام من خلال صيغ مرنة وذات جدول زمني محدد تضمن إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وتشاركية، وإعادة الثقة بين الأطراف من خلال تنفيذ خطوات عملية تعكس الالتزام بالوحدة الوطنية؛ خصوصاً وأن شعبنا يتطلع إلى رؤية نتائج ملموسة على الأرض تعزز صموده في مواجهة الاحتلال، سواء من خلال وقف السياسات الميدانية التي تعزز الانقسام، أو من خلال إطلاق مبادرات وطنية تركز على القضايا المشتركة.

وما زالت الجهود مستمرة، والتحديات كبيرة، لكن لا بد من التأكيد أن الإرادة السياسية الصادقة يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو وحدة الشعب الفلسطيني وحشد طاقاته في مواجهة مخططات التصفية والتهجير والضم التي تستهدفه.

5.    من الواضح أن زخم الشارع العربي ليس على مستوى الحدث ما هي أسباب ذلك؟ وما هي خطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والقوى الوطنية والتقدمية لاستنهاضها؟

إن تراجع زخم الشارع العربي وعدم تصاعده ليواكب مستوى الأحداث الجارية، خاصة في ظل الجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، يعكس جملة من العوامل المعقدة والمتشابكة، منها التغيرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي، حيث شهدت العقود الأخيرة تراجعاً كبيراً في دور الحركات الجماهيرية بفعل القمع السياسي والاقتصادي، ونشوء الأنظمة السلطوية التي عملت على تفكيك الحركات الشعبية، وإضعاف النقابات والأحزاب والحركات المستقلة التي كانت تُشكل أدوات الحشد الرئيسية، إضافةً إلى تراجع الوعي القومي والتقدمي خاصة بشأن القضية الفلسطينية، وتقلص الاهتمام بالقضايا القومية، ومنها القضية الفلسطينية، لصالح اهتمامات محلية أو فردية نتيجة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. وما يدلل على ذلك هو استمرار معاناة العديد من البلدان العربية من أزمات داخلية مستمرة وانقسامات سياسية، مما أدى إلى تشتيت الانتباه عن القضية الفلسطينية وإضعاف القدرة على الحشد الجماهيري.

وبخصوص جهود الجبهة والقوى الوطنية والتقدمية لاستنهاض الشارع العربي، فهي لم تتوقف، رغم الصعوبات الكامنة حول ذلك، حيث ركزت الجبهة جهودها على توحيد صفوف القوى الوطنية والتقدمية في الوطن العربي، وبناء أطر مشتركة لدعم القضية الفلسطينية سواء من خلال فعاليات جماهيرية أو بلورة مواقف سياسية موحدة، وهناك صيغ تعمل الجبهة على إعادة بنائها وتطويرها عبر حشد وتأطير الجماهير العربية.

وهذا الجهد يجب أن يتراكم مع جهود جبارة من أجل إعادة صياغة خطاب يعيد الاعتبار للأبعاد القومية والتحررية للقضية الفلسطينية، وربطها بقضايا التحرر الوطني في العالم العربي، بحيث يتم تقديم حقيقة الصراع في فلسطين كنموذج للصراع ضد الاستعمار بكافة أشكاله، والتصدي لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني وتداعياته، والتصدي لكل الخطاب الإعلامي الانهزامي المعادي لقضايا أمتنا العربية وخلق خطاب بديل يعيد استنهاض الوعي العربي، إضافةً لضرورة تفعيل العمل الشعبي والجماهيري، وإطلاق حملات تضامن واسعة النطاق مع القضية الفلسطينية وعودة التظاهرات في العواصم والميادين العربية. والجبهة  تجديد دعوتها إلى القوى الثورية والتقدمية والقومية أن تسهم في إعادة صياغة الوعي بطبيعة عدونا وفهمه فهما علمياً دقيقاً ومتطوراً  ومترابطاً.  وإن تواكبت  معارفنا حركة هذا الكيان فهو اليوم ليس كالأمس. والمشكلة كما تراها الجبهة لا تنحصر بالكيان وحده بل بحلقتين مركزيتين:

1.    الحركة الصهيونية العالمية التي تمد الكيان الصهيوني بالقوة بشرياً وروحياً ومادياً على مستوى كل العالم. 

2. المركز الامبريالي العالمي الذي يلعب دوراً في ترسيخ وجوده  اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.

لذلك ندعو الجميع  للتخلي عن كل الشوائب العاطفية، ليس من أجل  إسناد الشعب الفلسطيني بل مساندة الذات! وأن ندرك أن العدوان الحقيقي هو على المستقبل العربي! 

لذلك ترى الجبهة أن استنهاض الشارع العربي يتطلب تجديد حركة التحرر الوطني العربي ، تستولد من رحم مقاومة عربية شاملة تتوحّد فيها طاقات القوى اليسارية والتقدمية حول أولويتين متلازمتين ومتكاملتين: أولوية المقاومة للاحتلال الصهيوني والإمبريالي والأجنبي والتأكيد على  مركزية القضية الفلسطينية،  وأولوية مواجهة نظم التبعية والقمع والإستبداد السياسي والإجتماعي التي شكّلت تاريخياً المرتكز الداخلي الفعلي لهذا العدوان. وهذا  يتطلب جهداً منظماً وطويل الأمد، يعمل على تجاوز العقبات القائمة، ويعيد للشارع العربي دوره التاريخي كرافعة أساسية في معركة التحرر الوطني والقومي، كما نرى أن مواجهة المشروع الاستعماري ورأس حربته المشروع الصهيوني جزء من نضال عربي شامل لا ينفصل عن النضال لأجل التنمية والحرية وبناء الدولة على نحو يخدم تطلعات الشعوب.

6.    طرحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نفسها منذ عقود ممثلا لخط ثوري بديل عن الخط التسووي في الساحة الفلسطينية ما هي العقبات التي حالت دون تغليب هذا الخط؟

أولاً يجب أن نؤكد على حقيقة هامة وهي أن هناك أغلبية شعبية فلسطينية وعربية ترفض الاستسلام وتتبنى موقف إيجابي من المقاومة، وهذا بتأثير صمود وعمل ونضال الجبهة وغيرها من قوى المقاومة وأيضاً القوى التقدمية دفاعاً عن حقوق شعبنا في فلسطين، بمعنى أن هناك تقدم مهم على مستوى التأثير في الموقف، ولكن عوامل القصور تتصل بالقدرة على تحويل هذا الموقف المؤيد للمقاومة إلى موقف عملي فاعل ضمن شبكات وأطر نضالية تمتلك برامج عمل شاملة ومتصلة على المستوى الفلسطيني والعربي.

وفي هذا الجانب هناك جملة من العوامل الموضوعية والذاتية أعاقت تغليب الخط الثوري الذي طرحته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كبديل عن الخط التسووي في الساحة الفلسطينية، ومن أبرزها التعقيدات في المشهد السياسي في الساحة الفلسطينية، وما شهدته العقود الأخيرة من سيطرة قوى الهيمنة الدولية والإقليمية على المشهد السياسي في المنطقة، وتزايد الضغوط لتبني حلول تسووية تراعي مصالح القوى الكبرى، وقد شملت هذه الضغوط التضييق على القوى الرافضة للتسوية وتجفيف مصادر الدعم المالي والسياسي لها، ووضعها على قوائم الإرهاب كما حصل مع الجبهة.

وقد ساهم غياب الوحدة الوطنية الفلسطينية وإقصاء فصائل المعارضة عن التأثير داخل المنظومة الرسمية الفلسطينية، في إضعاف قدرة الخط الثوري على فرض رؤيته وتحويل الموقف الشعبي إلى رؤية وموقف رسمي، وصولاً لتفاقم الانقسامات السياسية والتنظيمية داخل منظمة التحرير بين الجبهة الشعبية من جانب وحركة فتح وباقي الفصائل من جانبٍ آخر، ما أضعف دور الجبهة كقوى معارضة من داخل مركز القرار الفلسطيني قادر على التأثير في موازين القوى داخل هذه المنظومة.

وتعترف الجبهة أن هناك أسباب ذاتية ساهمت في إضعاف حضور الجبهة وخطها الثوري في مواجهة طروحات الاستسلام، حيث واجهت صعوبات في تعزيز حضورها التنظيمي والجماهيري، خصوصاً في ظل الاستهداف المباشر للقوى اليسارية ومنها الجبهة من بعض الأنظمة العربية التي رأت في الخط الثوري تهديداً لها.

ونعترف أن خطابنا الفكري والسياسي وأدواتنا في التعبير عنه بحاجة لتجديد وتطور مستمر، وأن هناك حالة قصور قادت لتأخر في تبني أدوات ملائمة للعصر ولطبيعة التحديات وتعقيداتها المتزايدة، وهو ما انعكس بدوره على قدرتنا في حشد الدعم من الحاضنة الشعبية وتحويله لقوة داعمة وتنظيمه باتجاه اهداف برامجية محددة.

ورغم هذه العقبات والانتكاسات، لا زال الخط الثوري متمثلاً في الجبهة الشعبية وغيرها من القوى قادراً على الإسهام بأدوارِ هامة والنهوض بواجبات نضالية تاريخية ومهمات مفصلية في خضم حركة النضال العربي، بل والذهاب نحو نهوض كبير في قدرتها، ولكن هذا يتطلب بوضوح شديد مزيد من جهود تصليب البناء الداخلي للجبهة وضخ دماء جديدة في صفوفها، وتبني خطاب سياسي وإعلامي يجذب الشباب ويتعامل مع متغيرات الواقع، والانفتاح أكثر على جميع القوى الرافضة للمشاريع الاستسلامية لبناء جبهة مقاومة موحدة، مع التركيز على العمل الشعبي والجماهيري في الداخل والخارج وغيرها من الخطوات التي تعيد الإعتبار للقوى التقدمية المقاومة.

7.    كانت وما زالت الجبهة الشعبية تعبر عن إيمانها العميق بضرورة وحده اليسار الفلسطيني وصولاً إلى اندماج الفصائل في حزبٍ واحد، هل ما زالت الجبهة مؤمنة بهذا الأمر؟ وهل تعتقد بأن المستجدات التي نشهدها وما تركته من انعكاسات على فصائل هذا اليسار تجعل مهمة تحقيقه أسهل من ذي قبل؟

الجبهة الشعبية كانت وما زالت تؤمن إيماناً عميقاً بضرورة وحدة اليسار الفلسطيني، ليس فقط كحاجةِ سياسية وتنظيمية، بل كضرورة تاريخية وموضوعية لمواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

وإن السعي نحو وحدة اليسار الفلسطيني، لا يرتبط فقط بالوصول إلى اندماج الفصائل في حزب واحد، رغم أن ذلك يُمثل رؤية استراتيجية لدى الجبهة وهو ما أكد عليه المؤتمر الوطني الثامن للجبهة، ولكن أيضاً بتعزيز العمل المشترك والموحد للنهوض بدور اليسار كجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي.

وبالمناسبة نوجه النداء  للقوى والشخصيات النقابية والمجتمعية والثقافية الفاعلة  لإعادة  الاعتبار لمقولة  ” التيار الديمقراطي ” وخاصة في ظل هذه المرحلة  للتصدي لمهام التحرر الوطني والتغيير الاجتماعي، وعدم اقتصار  المسألة على الفصائل  والقوى اليسارية والديمقراطية الوطنية ، للاصطفاف في جبهة  شعبية موحدة تعيد  صياغة وترسيخ الهوية الوطنية لحفظ وجود ووحدة وحقوق شعبنا، من خطر الفاشية والإبادة والمحو والسعي لجسر خلافاتها السياسية وتبني موقفاً واضحاً من المأزق السياسي الذي أفضت له مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية ، وهذه الرؤية قائمة على الإيمان بأن العمل الجماعي والواسع و الموحد هو السبيل لتعزيز حضور اليسار كقوةِ فاعلة في مواجهة الاحتلال من جهة، ولتصويب المسار الوطني الفلسطيني، وخلق قوى معارضة تقدمية من جهةٍ أخرى، خاصةً وأن قوى اليسار تعاني من ضعف في جوانب كانت متميزة فيها تاريخياً، وأبرزها القدرة التنظيمية على تأطير الجماهير المؤيدة وزج طاقاتها في العملية النضالية.

مع ذلك، وبصراحة، الجبهة تدرك أن تحقيق هذه الوحدة يواجه تحديات عميقة، بعضها مرتبط بالموروثات التنظيمية والسياسية التي كرّست الانقسام، وبعضها الآخر ناتج عن تعقيدات المشهد الفلسطيني الحالي وتأثيراته على البنية التنظيمية والفكرية لفصائل اليسار والتي انحاز جانب كبير منها إلى حسابات السلطة وتبني مواقف قريبة منها.

 وقد أظهرت بوضوح المستجدات الأخيرة، سواءً كانت عدوان الاحتلال المستمر أو التحولات الإقليمية والدولية، الحاجة الملحّة لتجديد الخطاب اليساري وتعزيز دوره على كافة المستويات.

إن هذه التحديات يمكن أن تكون في حد ذاتها دافعاً لتجاوز العوائق القديمة، خاصة إذا ما أُعيد بناء الثقة بين الفصائل وجرى العمل على مشروع سياسي موحد يعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني ويعيد الاعتبار لدور اليسار التاريخي، بشرط عدم الانغماس في مصالح ذاتية وفئوية ضيقة واستمرار الارتهان لمغريات السلطة، لصالح تغليب المصلحة العامة نحو الوصول للوحدة المنشودة لقوى اليسار؛ فالجبهة تؤمن أن تحقيق هذه المهمة يتطلب رؤية فكرية وإرادة سياسية صلبة، وعملاً جاداً لإعادة بناء الهوية الجامعة لليسار الفلسطيني، بعيداً عن الحسابات الضيقة والخلافات التكتيكية.

 لذا، وفي ظل الظروف الراهنة، يمكن القول إن تحقيق وحدة اليسار قد يكون أكثر إلحاحاً من ذي قبل، لكن ليس بالضرورة أسهل، ومفتاح ذلك يكمن في الاستعداد لتقديم تنازلات متبادلة والعمل بروح الوحدة الوطنية والالتزام بمشروع تحرري يضع مصالح الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار.

8.    تشهد منظمه التحرير الفلسطينية مرحلة من أخطر مراحلها بل إن الغالبية يعتقدون بأن مرحلة منظمة التحرير قد طويت في ظل المتغيرات العربية والدولية الراهنة، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ ولماذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟

إن منظمة التحرير الفلسطينية تمر بمرحلة فارقة تُعد من أخطر مراحل وجودها منذ تأسيسها، وخصوصاً وأن السواد الأعظم من أبناء شعبنا يعتبرون أن المنظمة تراجع دورها التاريخي كإطار جامع، وهذا يعود – في جوهره- إلى استمرار الهيمنة على المنظمة من قبل القيادة المتنفذة، والتي عمدت على مدار سنوات طويلة إلى إضعاف المنظمة بشكلٍ ممنهج، وتعلقت بمفاوضات أثبتت التجربة أنها مجرد سراب، مما أدى إلى تراجع المنظمة ودورها.

كما أن سياسة التفرد والهيمنة والإقصاء التي انتهجتها القيادة المتنفذة جعلت المنظمة تفقد أي تأثير فعلي، سواء على المستوى السياسي أو الشعبي، فقد جردتها من وظيفتها كإطار جامع لشعبنا في الداخل والخارج.

إن استعادة دور المنظمة كإطارٍ وطني جامع يتطلب قيادة مؤمنة بالشراكة الوطنية وببرنامج كفاحي يعيد لها مكانتها، ويخلصها من الهيمنة التي أفرغتها من محتواها التحرري، وبرأينا أن هناك إجماع وطني وشعبي، واتفاقات وطنية قادرة على تحقيق هذا الهدف بشرط أن يكون هناك إرادة جادة من القيادة الفلسطينية المتنفذة للوصول إلى هذا الهدف.

9.    كيف تقيمون أداء الجبهة الشعبية بعد عامين ونصف العام من انعقاد المؤتمر الوطني الثامن والذي رفع شعار (المؤتمر الوطني الثامن – محطة هامة نحو تعزيز الوحدة الداخلية ووحدة الإرادة والعمل والديمقراطية، واستنهاض الجبهة وتعزيز حضورها الجماهيري والوطني والكفاحي)؟

مضى عامان ونصف العام منذ انعقاد المؤتمر الوطني الثامن، الذي وضع أمامنا برنامجاً طموحاً، تحت شعار (المؤتمر الوطني الثامن – محطة هامة نحو تعزيز الوحدة الداخلية، وحدة الإرادة والعمل والديمقراطية، واستنهاض الجبهة وتعزيز حضورها الجماهيري والوطني والكفاحي).

 واليوم، وبعد انقضاء هذه الفترة، ومن خلال تقييم شفاف وإيمان بالنقد الذاتي الصادق، بعيداً عن التجميل أو التضخيم، فقد شهدنا خلال هذه الفترة العديد من الإنجازات المهمة التي تُشكّل حجراً أساسياً في مسيرتنا، وتجسد التزامنا بالشعار الذي رفعناه، ومن أهمها حدوث حالة تطور في الأداء الكفاحي رغم اعترافنا أنه لم يصل إلى مستوى الرغبات، وصولاً إلى تمكننا من تعزيز العلاقات الداخلية وتوسيع رقعة التنسيق بين الفصائل، وزيادة درجات حضورنا وثقلنا السياسي فلسطينيا وعربياً وإقليمياً، حيث حققنا في ذلك بعض الإنجازات ومن أهمها استمرار تعزيز التنسيق المشترك خصوصاً بين فصائل المقاومة، وصولاً لمحاولات واضحة لتعزيز حضور الجبهة على كافة المستويات، من خلال  الحراك السياسي المستمر والنشط، إلى الأنشطة الجماهيرية والتظاهرات، ومساهمتنا المركزية في جهود ترتيب البيت الفلسطيني وتقديم مبادرات وأفكار ساهمت نسبياً في الوصول إلى توافقات وطنية.

كما عملنا خلال هذه السنوات على تعزيز فعالية منظماتنا الداخلية، وتخليصها من بعض العادات البيروقراطية، ولا زال هناك جهد مُخطط ومُنظم لبناء أدوات عمل مرنة تتلاءم مع التطور الحاصل، وتعزيز روح العمل الجماعي والقيادة الجماعية ومشاركة أكبر عدد ممكن من قيادة وكوادر الجبهة لضمان مشاركة واسعة في اتخاذ القرارات، ونعتز كثيرا بما تحقق على مستوى تجديد الهيئات وحضور الشباب بشكل فاعل ومهم ومؤثر في هيئات الجبهة ومنظماتها.

مع كل هذه الإنجازات، لابد من الاعتراف بأن هناك جوانب لا تزال بحاجة لمراجعة وتطوير، وهذا يتطلب مواصلة عملية التجديد والبناء والنهوض، وتعزيز حضور الجبهة على كافة المستويات، وإعادة الاعتبار لتأثيرها في الجماهير، فضلاً عن إحداث حالة تطور في طرق ومنظومات التفكير والاستجابة السريعة للتحديات السياسية والميدانية، وتعزيز روح النقد والشفافية داخل الجبهة كطريق للنهوض الحقيقي، ومع قناعتنا أن التغيير الحقيقي يأتي من تعزيز روح النقد والنقد الذاتي البَنّاء داخل هيئات الجبهة الداخلية، ومن العمل الجاد على كافة المستويات.

10.  تعيش سوريا لحظة تاريخية حاسمة، وتواجه تحديات داخلية وخارجية، ما تأثير ذلك على إعادة الاصطفافات الاستراتيجية في المنطقة، وانعكاسها على القضية الفلسطينية؟

تعيش سوريا اليوم لحظة تاريخية جديدة، تواجه خلالها تحديات متعددة داخلية وخارجية، وهذا الواقع يترك آثاراً عميقة على إعادة الاصطفافات الاستراتيجية في المنطقة، بما ينعكس على القضية الفلسطينية، التي ترتبط ارتباطاً تاريخياً وجغرافياً بسوريا، ونأمل أن يكون هذا التغيير الحاصل في سوريا لصالح الشعب السوري وكذلك لصالح القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية.

وفي إطار هذه التَحوّلات المهمة، نجدد احترامنا لخيار الشعب السوري في التغيير وتقرير المصير واختيار قيادته وممثليه، من خلال انتخابات شاملة ونزيهة وديمقراطية تضم كل أطياف الشعب السوري، والوصول إلى نظام حكم تعددي ديمقراطي حر، كما نؤكد تضامننا الكامل مع سوريا في التصدي للعدوان الصهيوني الواسع والذي يستهدف جيشها ومقدراتها وشعبها ودورها المحوري، والذي يجعلها هدفاً رئيسياً في المخططات الصهيونية والأميركية الرامية إلى إضعاف سوريا ودورها.

والمتابع للأحداث الأخيرة يجد أن القوى الغربية المعادية والصهيونية تسعى لاستنزاف سوريا داخلياً، والسعي لزعزعة استقرار سوريا، لذلك نحن نجدد تأكيدنا على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها الكاملة، ورفض أي محاولات للتقسيم أو التفتيت، كما أننا في الوقت ذاته نعتبر أن الحفاظ على مؤسسات الدولة وتطويرها بما يخدم تطلعات أطياف الشعب السوري هو ضامن أساسي لوحدة سوريا.

 ونؤكد أيضاً على حق الشعب السوري في تقرير مصيره، بعيداً عن أي تدخلات أجنبية، وأهمية فتح حوار داخلي سوري واسع كوسيلة لإبعاد التدخلات الخارجية، والعمل على قطع الطريق أمام أي محاولات تهدف لتحييد دور سوريا العربي، وضمان مشاركتها الفاعلة في هموم وقضايا أمتنا.

أما بخصوص انعكاسات ما حصل في سوريا على القضية الفلسطينية، نرى في الجبهة أن القضية الفلسطينية كانت وستظل قضية مركزية للأمة العربية وأنها الركيزة التي استندت عليها العلاقة التاريخية بين الشعبين السوري والفلسطيني، وكل هذه الروابط يجب الحفاظ عليها لتعزيز النضال المشترك في مواجهة الاحتلال الصهيوني والدفاع عن حقوق شعبنا، بغض النظر عن الجهة التي تحكم سوريا، والتي نتطلع أن تكون في قلب معركة مواجهة العدو الصهيوني.

11.  مرحلة جديدة في سوريا، ولأننا محكومون بالأمل من جهة، والحذر الشديد من جهة ثانية، ألا تندرج التطورات ضمن دعوات نتنياهو لصياغة شرق أوسط جديد…!وتطرح تحدياً لشعوبنا العربية وقوى حركة التحرر العربي. ما هي رؤية الجبهة الشعبية بخصوص التحولات الجارية في المنطقة؟ وفي العام الجديد، ما هو النداء الذي ترغب بتوجيهه إلى القوى الوطنية والديمقراطية العربية؟

نحن أمام مشروع استعماري عالمي  يستهدف الأمة من موقع فلسطين.. لا نريد التعاطف مع فلسطين بمنطق إنساني وضعف وشفقة، هذا دفاع عن وجودنا ومستقبلنا ،  لذلك ما نحتاجه إلى تصحيح لمعيارية الهوية ، الفكرة الجامعة مفهوم الأمة فإذا كانت المعطيات تقول إنها قاعدة استعمارية متقدمة،  يعني أنها معركة  تستهدف لبنان وسوريا و مصر والأردن والهوية العربية بكل مكوناتها.  طرح القوى الاستعمارية الدولية والكيان الصهيوني لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” ليس وليد اللحظة؛ بل هو مشروع قديم شمل جولات متعددة من تصعيد الهجوم الاستعماري على شعوب أمتنا والمنطقة، بهدف إخضاعها للهيمنة الشاملة. وقد تصدت شعوب أمتنا- إلى جانب قوى المقاومة والمكونات التقدمية العربية- لهذه المحاولات، ولا تزال المواجهة قائمة مع هذا المشروع في طوره الجديد وهجمته الراهنة.

ولا يمكن النظر إلى التطورات الجارية في المنطقة باعتبارها مجرد فعل استعماري يقع على أمة خاضعة ومستكينة؛ إذ أن هناك قوى مقاومة فعّالة ومواقف جماهيرية شعبية مهمة، ما يفرض علينا استنهاض هذه الطاقات، وحشد إمكانات أمتنا في مواجهة تلك المخططات.

لقد كانت سوريا- وما زالت- في صلب هذا الاستهداف الاستعماري المستمر، ونحن إذ نؤكد قناعتنا الراسخة بحق الشعب السوري في تقرير مصيره؛ فإننا نثق بقدرة هذا الشعب وقواه الحيّة على الدفاع عن أرضه وحريته واستقلاله، وعلى صيانة مكانته التاريخية في قلب العالم العربي والمنطقة، ويقع على عاتقنا جميعاً واجب العمل مع كل القوى التقدمية في الوقوف إلى جانب سوريا في هذه اللحظة الفارقة ودعم حقها في تقرير المصير، إلى جانب التصدي لأي محاولات تهدف إلى تقويض وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.

وفي هذه المرحلة، حيث لا تزال المعركة مستعرة، من المبكر استخلاص نتائج أو الحديث عن تَحولّات جذرية في صراع لم تنته فصوله بعد؛ لكن الأهم في هذه المرحلة هو التوقف عند دورنا ودور كل القوى التقدمية والوطنية والديمقراطية العربية، في معركة الدفاع عن هذه الأمة ضد الهجمة الاستعمارية ومشروع الهيمنة الذي يستهدف كيانها.

إن تحليل الواقع في ظل ثوابته ومتغيراته يكشف أن الموقف الشعبي مؤهل لتَحّمل مهامه النضالية الكبرى، لكن المطلوب من القوى والأحزاب أن تنهض بمسؤولياتها وترفع صوتها وتشحذ طاقاتها وأدواتها، وتعمل على استنهاض الفعل الجماهيري وتنظيمه، ليكون رافعة حقيقية في مواجهة المخاطر المحدقة.

هذه ليست معركة فلسطين وحدها؛ فنحن نرى أن الشعب الفلسطيني، من خلال تصديه للمشروع الصهيوني، يقف مدافعاً عن سيادة وأمن واستقلال الشعوب العربية ومستقبل أجيالها، كما أن قوى المقاومة، بتموضعها في خط الصد الأول، تخوض معركة مصيرية ضد مشروع يهدف إلى فرض هيمنة مطلقة على شعوب أمتنا العربية، وتجريدها من أي مظاهر للاستقلال، مع استكمال السيطرة على مواردها وإخضاع شعوبها.

وفي هذا الإطار، لا يمكن فصل النضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية عن المعركة ضد الاستعمار، حيث تُشكّل قضية فلسطين جوهر هذا الصراع ومحوره الأساسي، والمعيار والأساس الأخلاقي لسلوك ومواقف أي قوى أو نظام حاكم.

إننا نوجه نداءً عاجلاً للقوى التقدمية والديمقراطية العربية إلى إدراك عمق الترابط بين المعركة ضد الاستعمار ونضال الشعوب لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؛ فالمشروع الاستعماري، الذي يهدف إلى السيطرة المطلقة على مقدرات أمتنا، لن يتوقف عند حدود فلسطين وحدها، بل يسعى إلى تفكيك الكيانات الوطنية وإبقاء شعوبنا تحت وطأة التخلف والتبعية الاقتصادية والسياسية، وهذه أهم أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد.

لذلك، يتطلب التصدي لهذه الهجمة أن تعيد القوى التقدمية صياغة رؤاها واستراتيجياتها، بما يتناسب مع حجم التحديات الراهنة، وأن تطور أدواتها النضالية في الميدان الجماهيري، من خلال بناء حركات شعبية قوية ومتماسكة، تمتلك القدرة على مواجهة مشاريع التفتيت والهيمنة.

إن المواجهة مع المشروع الاستعماري تتطلب جبهة موحدة تجمع بين قوى المقاومة والتحرر الوطني من جهة، والقوى الحرة والتي خرجت من رحم الشعوب وقضاياها العادلة والمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة من جهةٍ أخرى، لإيجاد نموذج حضاري بديل يعيد الاعتبار لاستقلالية القرار الوطني ولإرادة الشعوب في التحرر والتقدم.

12.  الرفيق جميل مزهر ما هي رسالتكم الموجهة إلى الشعب الفلسطيني والعربي والقوى الثورية؟

أتوجه بتحية إجلال واعتزاز إلى شعبنا الفلسطيني العظيم، هذا الشعب الذي كان ولا يزال المُدافع الأمين عن أرضه وقضيته وحقه التاريخي، والذي يَخطّ بدمائه الزكية وتضحياته الجليلة أروع صور الصمود والثبات في وجه الظلم والوحشية الصهيونية.

نُدرك جيداً حجم الألم والمعاناة، وكذلك حجم الصمود والتضحية والصبر، وكذلك البسالة والشجاعة والنضال التي جسدت أسمى معاني الوفاء لفلسطين في زمن التقصير وتحت نار الإبادة، ونعدكم بأننا سنبقى دائماً درعكم الحصين، صوتكم المجلجل في كل المحافل، وسنواصل مسيرة النضال من أجل وقف العدوان وإنهاء معاناتكم. أنتم الأحرار، أنتم المقاومون، وأنتم الأمل الذي به ومعه سنحرر فلسطين من دنس الاحتلال.

وإلى الأمة العربية، نقول: إن موقفكم من فلسطين وقضيتها العادلة هو اختبار حقيقي لمعنى وجود هذه الأمة وقدرتها على انتزاع مكان لها في المستقبل، ومقياس حقيقي لمدى انتمائكم لعروبتكم، نثق بصدق نواياكم وندعوكم لمزيد من التنظيم والتصعيد للفعل في مواجهة المشروع الاستعماري الذي يستهدف شعبنا وأمتنا العربية بأسرها.

فلسطين هي جرحكم النازف كما هي جرحنا، وقضيتها ليست مجرد مسألة وطنية بل هي قضية عربية وقومية بامتياز، قضية أمة واحدة يجمعها دم واحد وتوحدها قدسية الأرض.

آن الأوان لأن تنهضوا، وأن توضع الشعارات محل التطبيق الجاد، وتنحو جانبا خطاب العجز، لتقفوا موقفاً عملياً حازماً. دفاعكم عن فلسطين هو دفاع عن كرامتكم، وانتصارها هو انتصار لكم جميعاً، في وجه الاحتلال وأدواته، وفي وجه موجة التطبيع التي باتت تمثل خنجراً في خاصرة الأمة. نحن بحاجة إلى أفعال حقيقية، إلى مواقف شجاعة تدفع باتجاه التحرير، لا إلى مجرد كلمات تُقال في مناسبات عابرة، ومن موقع الأخوة العربية في مسيرة كفاح طويل لهذه الأمة، ندعو القوى العربية الحية للنهوض بدورها في مواجهة المحتل ورفض مشروع إبادة شعب فلسطين وإخضاع واستعباد الأمة العربية.

أما رسالتي الأخيرة فهي موجهة إلى القوى الثورية والأحرار في العالم، الذين يؤمنون بالعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها. إن فلسطين اليوم هي معيار العدالة الإنسانية، واختبار لمدى التزامكم بقيم الحرية والمساواة.

ندعوكم إلى توحيد جهودكم في سبيل نصرة شعبنا الفلسطيني، واستثمار كل أدوات المقاومة المتاحة – السياسية، الثقافية، الاقتصادية، والإعلامية – للفضح المستمر لجرائم الاحتلال وداعميه.

كونوا صوت فلسطين في المحافل الدولية، حركوا الضمير العالمي من أجل إنهاء هذا الظلم التاريخي، وإن دعمكم لفلسطين ليس فقط واجباً إنسانياً، بل هو أيضاً معركة ضد منظومة القهر والاستعمار التي تهدد القيم الإنسانية جمعاء.

فلسطين تستحق منا جميعاً التضحيات، ودعمها اليوم هو انتصار للكرامة الإنسانية والمبادئ الثورية.

معاً، ومع شعوب العالم الحرة، سنصنع فجراً جديداً يُشرق بالحرية والعدالة وهذا لن يتحقق إلا بتحرير فلسطين – كل فلسطين من نهرها إلى بحرها- من هذا الكيان الاستيطاني ومنظومة القتل وجرائم الحرب الوحشية.

وفي النهاية كل الشكر والتقدير  لمجلة الهدف العزيزة وتحية  لادارتها وأسرة تحريرها ونشد على أيديكم وأقلامكم وإخلاصكم لإرثها الثقافي الخالد، للحقيقة كل الحقيقة للجماهير الذي رفعه مؤسسها الشهيد غسان كنفاني، وتستمر بكم ومعكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى