العربي الجديد- انتصار الدّنّان
شعور بالفرح يغمر النازحين الذين سارعوا إلى حزم أمتعتهم للعودة إلى بيوتهم وقراهم وإن كانت مدمرة، فقد اشتاقوا إليها وأتعبهم النزوح.
في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، يوم بدء الاحتلال الإسرائيلي تصعيد عدوانه على لبنان، نزح أكثر من مليون شخص من مناطق عدة في جنوب لبنان نحو مدينة صيدا (جنوب) وبيروت وغيرها من الأماكن الأكثر أماناً. وكانت الشوارع تشهد ازدحاماً كبيراً. لكن ما إن دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فجر الأربعاء، حتى بدأت السيارات تتجه نحو جنوب لبنان، في مشهد معاكس. وشهدت الشوارع ازدحاماً كبيراً من بيروت باتجاه صيدا، ومنها إلى بقية قرى الجنوب. كما شهدت مراكز الإيواء في صيدا حركة كبيرة؛ إذ بدا النازحون في عجلة من أمرهم، ويرغبون في العودة إلى بلداتهم وقراهم، علماً أن جيش العدو الإسرائيلي حذر نازحي جنوب لبنان من العودة إلى القرى التي سبق له المطالبة بإخلائها. وأشار إلى أنه “مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ستبقى القوات منتشرة في مواقعها في الجنوب اللبناني بناء على بنود الاتفاق”. وكان قد ذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، على منصة إكس، في الإنذار الموجّه إلى سكان جنوب لبنان: “سنقوم بإبلاغكم بالموعد الآمن للعودة إلى منازلكم”.
أهل الجنوب اللبناني الذين عانوا النزوح على مدى أكثر من 60 يوماً، لم يكترثوا لبلاغات الجيش الإسرائيلي، فقد أرادوا العودة إلى منازلهم وقراهم التي تركوها رغماً عنهم تحت وطأة نيران العدو الإسرائيلي. كامل عقل عسكر النازح من بلدة صديقين (قضاء صور – محافظة الجنوب)، يعد الأيام التي قضاها في أحد مراكز الإيواء بمدينة صيدا. ويقول: “مضى شهران وستة أيام وأنا خارج بيتي وخارج بلدتي. هذه الأيام كانت تمر عليّ ثقيلة، لم أكن أعرف يومي كيف سيمضي وأنا هنا. لم نكن نرغب في التهجير لولا أن القصف طاول المناطق القريبة منا، كما شمل بلدتي. لا أعرف إن كان قد تضرر بيتي أو قصف. لكن ما أعلمه الآن أنني أشعر بفرحة كبيرة لنا وللمقاومة التي جعلتنا نشعر بالانتصار، وهو شعور لا يوصف”.
وعن التهديدات الإسرائيلية، يقول: “لست خائفاً من تلك التهديدات، المهم أن أعود إلى بلدتي وبيتي، حتى لو كان بيتي قد قصف، سأعود وسأبقى فيه”.
ويقول فخر داود من بلدة البستان المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة: “منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ العدو الإسرائيلي يستهدف القرى الحدودية مع لبنان. منذ ذلك الوقت، نزحت مع عائلتي نحو مدينة صور. ومنذ شهرين وستة أيام، ومع توسع العدوان في لبنان الذي طاول عدداً من القرى والبلدات اللبنانية، نزحنا نحو مدينة صيدا، وتحديداً إلى أحد مراكز الإيواء في المدينة. وبعد إعلان دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأنا توضيب أغراضنا من أجل العودة إلى مدينة صور لأنه لا يمكننا العودة إلى البستان. أُخبرنا أن بيوتنا جميعها تم تدميرها. لذلك، لا يمكننا العودة إلى هناك. فرحتنا منقوصة لأننا لن نعود إلى البستان، لكنني سأعود مع عائلتي إلى مدينة صور. لدينا أقارب سكنّا عندهم قبل نزوحنا إلى صيدا، وسنعود معهم إلى بيتهم”.
من جهتها، تقول النازحة من مدينة صور عالية بدوي: “استشهد من عائلتي حوالي سبعين شخصاً. أنا بالأساس من بلدة عين بعال، قضاء صور. وما إن علمت بدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بدأت ليلاً حزم أمتعتي من أجل العودة إلى صور، لكني لا أعلم إلى أين سأذهب إذا كان بيتي قد تدمر. أنا أرملة وليس لدي أولاد، وأشقائي ليسوا في مكان واحد. على الرغم من ذلك، أنا سعيدة بالعودة إلى الجنوب”.
إلى ذلك، يقول النازح من زوطر الغربية (قضاء صور) طارق بو زيد: “نزحنا إلى مدينة صيدا وأقمنا في أحد مراكز النزوح منذ شهرين وأكثر. واليوم، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار، حزمنا أمتعتنا من أجل العودة إلى بيوتنا. مهما كانت المعاملة في المراكز جيدة، فلا أجمل من وجود الإنسان في بيته. نشعر اليوم بسعادة كبيرة بسبب عودتنا إلى بيوتنا”.
وفي ما يتعلق بالتهديدات الجديدة للناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، فيقول: “حتى لو كان بيتنا مدمراً، سنرجع ولو أقمنا تحت شجرة الزيتون. نسلم أرواحنا إلى الله. لا تخيفنا كل تلك التحذيرات، بيوتنا إن كانت تدمرت فهي فداء للمقاومة، ونحن سنعود إلى بيوتنا”. يضيف أن “كرامة الإنسان هي في بقائه في بلده وفي بيته. البيوت تعوّض وما لا يعوض هو الكرامة”.
من جهته، يقول النازح من زوطر الغربية أحمد: “نزحنا منذ ستين يوماً. نعود اليوم إلى بيوتنا التي لا نعرف عنها شيئاً، إن كان قد تم استهدافها أو ما زالت على حالها. لكن في جميع الأحوال، سنعود حتى لو كان بيتي مدمراً. سأضع شادراً فوق الركام وأسكنه أنا وعائلتي. مركز الإيواء ليس أفضل من بيتي. هنا كنت أقيم في شادر إذ لم يعد هناك غرف في المركز، فنصبوا لنا الشوادر في ساحة ملعب المركز. مهما كان بيتي فهو بالتأكيد أفضل. أنا اليوم سعيد جداً وأشعر بفرح لا يوصف لأنني سأعود إلى بلدتي وإلى بيتي. أشكر الله لأن الحرب توقفت”.