حمير غزّة والأنظمة العربية
جريدة الأخبار اللبنانية- حمزة البشتاوي
تسير الحمير بالدروب المتعبة والمبهمة في غزة، وسط خلل كبير في الواقع والأماني، ودهشة راجفة مما يجري من أحداث وتحديات. على أن يشهد التاريخ، ونحن الذين عايشنا الحرب لاحقاً، بأن الحمير بلا منّة أو تشدّق، قامت بواجبها وقدّمت دعمها إلى أهالي قطاع غزة، أكثر من معظم الأنظمة الرسمية العربية، التي عجزت عن وقف الحرب وكسر الحصار وتقديم المساعدات، بخاصة الوقود الذي تحتاجه المستشفيات والناس للتنقل، والحصول على الكهرباء. وهذا ما لم تفعله الأنظمة العربية ونخبها الناهقة التي اكتفت بمراقبة مجريات العدوان، ولكن الحمير في غزة أبت، بما تملك من شهامة، إلّا أن تقف مع الناس، وذلك انطلاقاً من رفضها لكل أشكال العجز والخذلان.وأخذت الحمير قرارها بالوقوف مع الناس ضاربة عرض الحائط المحاذير كافة، العربية والإقليمية والدولية، وعملت رغم القيود الإسرائيلية على نقل الناس والجرحى والشهداء، والبضائع والطعام والماء، من دون أي تذمّر من النقص الحادّ في التبن والشعير، بسبب الحصار والعدوان الذي لم يمنعها من أن تلعب دوراً ذكياً ومحارباً في نصرة الغزاويين. وهذا ما دفعها، بقناعة كاملة وإرادة صلبة، إلى أن تسير في شوارع غزة كصخرة متحرّكة، بمواجهة الحفر والركام وقناصة جنود الاحتلال والتهديد بالاعتقال.
وعبّرت الحمير، بما قدّمته من دعم ملموس، عن شخصيّتها المنحازة للناس، والرافضة للأسرلة والأمركة، بشكل واضح وصريح. ولهذا، تعرّضت الحمير، حتى منذ ما قبل العدوان الحالي، إلى هجمة إسرائيلية شرسة وممنهجة، تستهدف منعها من الحياة ومساعدة الناس في قطاع غزة، بحجة سوء المعاملة والرفق بالحيوان، وهذه أكاذيب كشفتها عمليات القتل الإسرائيلية المتعمّدة للحمير بالقصف الجوي والمدفعي والاعتقال القسري، إضافة إلى الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين، آخرها قيام المستوطن يحزقيل واوشوير بقتل حمار وقطع رأسه وتعليقه على سور المقبرة الإسلامية في القدس. وهذه ليست عملية تدنيس للمقبرة فقط، بل انتقام من دعم الحمير وتضامنهم مع الناس وتأثّرهم بالأوضاع المأساوية الصعبة.وقد شاهد الحمير الكثير من القتل والدمار، وسمعوا من الركّاب أثناء نقلهم الكثير من الحكايات والنقاشات السياسية والقصص، ومنها ما سمعه حمار عن قصة شاب كان يدفع أمّه على كرسي متحرّك، وطلب منه جندي إسرائيلي عبر مكبر صوت من دبابة أن يتركها، وعندما رفض الشاب قائلاً «إنها أمي»، أطلق الجندي النار عليها وقتلها وقال للشاب: الآن تستطيع أن تتركها، وهذا ما جعل الحمار يتابع سيره بخطى متثاقلة وبكاء شديد.
وفي خضم ما تقدّمه الحمير من دعم، وما تتحمّله من مشقة، قال رجل لأبنائه: سوف يكتب التاريخ أن حمير غزة كانت الأوفى للأرض والناس، أكثر من بعض الأنظمة، ولم تخذلنا كما فعلوا، متوقّعاً بعد انتهاء العدوان أن يُقام احتفال تكريمي خاص للحمير، تقديراً لموقفها وخدماتها، باعتبارها شريكة في الصبر والنصر وتجاوز الصعوبات.