العربي الجديد- انتصار الدنان
تحوّلت مدينة صيدا، بوابة الجنوب اللبناني، إلى ملجأ لعائلات كثيرة نزحت من بلدات وقرى الجنوب التي يستهدفها عدوان إسرائيل الأخير، أو إلى محطة قبل الانتقال إلى بيروت بالنسبة إلى عائلات أخرى. فالمقاتلات الإسرائيلية لم تهدأ منذ صباح اليوم، وصبّت مئات الغارات على مناطق من جنوب لبنان آهلة بالسكان، مخلّفة أكثر من 300 شهيد وألف جريح، من بين الأشخاص الذين لم يتمكّنوا من ترك مناطقهم وبيوتهم وكذلك من بين الذين استهدفتهم على طرقات النزوح.
وقد سُجّلت زحمة سير خانقة على الطرقات المؤدية إلى مدينة صيدا ثمّ إلى العاصمة بيروت من جرّاء العدوان الإسرائيلي غير المسبوق الذي سبقته تهديدات كثيرة في الأيام الأخيرة، ولا سيّما أنّ النزوح أتى على عجل ومن دون أيّ استعداد. وفي نزوحهم، لم يحمل أهل الجنوب بمعظمهم متاعاً، إلا في ما ندر، إذ هم أرادوا فقط النجاة بأنفسهم من نيران العدو التي راحت تستهدف بيوتهم كما سيارات الإسعاف وحتى سيارات المهجّرين.
وأتى المشهد على طول الطريق المؤدّي إلى صيدا من أقصى الجنوب مشابهاً للمشهد المسجَّل على طريق صيدا-بيروت. فقد ازدحم الطريقان بسيارات النازحين الخاصة وبالحافلات الصغيرة ومركبات النقل الصغيرة وحتى الدرّاجات النارية التي حشر أفراد عائلات أنفسهم عليها. وفي حين انتقل كثيرون من صيدا إلى مناطق أخرى، فإنّ آخرين كثيرين لا يعلمون إلى أين يتوجّهون. أمّا المشترَك بين كلّ هؤلاء إلى جانب كونهم مهجّرين بآلة الحرب الإسرائيلية، فهو الذهول وكذلك الخوف اللذان كانا واضحَين على وجوههم. وثمّة من لم يتمكّن من النطق، وسط هول ما عاشه.
أبو حسين من بين هؤلاء المهجّرين، وقد نزح من بلدة عدلون في جنوب لبنان على درّاجته النارية مع زوجته وابنتَيه. وقد قال لـ”العربي الجديد” من صيدا: “أحاول التقاط أنفاسي. سقط صاروخ أمام بيتنا، وبالكاد استطعت الهرب مع زوجتي وابنتَيّ. إخوتي ظلّوا في البلدة، وأنا أنتظرهم هنا في الشارع. ليس لدينا أيّ مكان نذهب إليه… ننتظر الفرج”. أضاف: “نفكّر في التوجّه إلى بيروت، كما فعل كثيرون من الذين سبقونا”، في حين أنّ لا وجهة محدّدة له في العاصمة. وأردف: “لا أعلم ماذا أفعل وعائلتي”، مشيراً إلى أنّه سوف ينتظر فتح مدارس لإيواء النازحين من أمثاله.
من جهته، قال النازح سعيد العابد، وهو لاجئ فلسطيني من مخيّم البصّ في مدينة صور الجنوبية، علماً أنّ جذوره تعود إلى بلدة عمقا في فلسطين المحتلة، إنّ “الوضع في الجنوب مخيف جداً”. أضاف لـ”العربي الجديد” من مدينة صيدا: “لا مجال للبقاء في المخيم، لذا نزحت مع زوجتي وابنتي وأولادها”. لكنّ العابد يملك منزلاً في صيدا، وقد أفاد: “اشتريته قبل زمن طويل، عندما كنت موظفاً”. وتابع أنّ إخوته ما زالوا في مخيّم البصّ، “لكنّهم سوف ينزحون إذا اشتدّت الهجمات (الإسرائيلية) على الجنوب”.
ملاك الحسين نازحة من مدينة النبطية، التي تُعَدّ واحدة من أهمّ مدن جنوب لبنان والتي استُهدفت بدورها، أخبرت “العربي الجديد”: “كنت في عملي. فأنا خرجت من البيت صباحاً وكان الوضع طبيعيّاً. ثمّ بدأ القصف حولنا وعلينا”. وقد عرّضت نفسها للخطر عندما تركت مكان عملها وتوجّهت إلى منزلها”. أضافت: “كان لا بدّ لنا من التوجّه إلى أيّ مكان آمن. أنا وأمي وإخوتي (ستّة أشخاص) تركنا البيت، لكنّ أبي ظلّ هناك”. وأشارت إلى أنّ “الطريق الذي كان يسلكه النازحون قُصف. حتى في نزوحنا، لم يتركونا”، في إشارة إلى إسرائيل. هي انتقلت مع أفراد عائلتها من النبطية إلى صيدا في حافلة، وكانت تبحث عن وسيلة نقل للتوجّه إلى بيروت ومنها إلى الهرمل في البقاع (شرق). وقد أوضحت أنّ “أخوالنا في الهرمل، وهناك الوضع أكثر أماناً”.