نظّمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ظهر الأحد 27 يناير 2019، مؤتمرًا سياسيًا، إحياءً للذكرى الحادية عشرة لرحيل القائد المؤسس جورج حبش ، بحضور قيادات وكوادر وأنصار الجبهة وممثلي الفصائل الفلسطينية وعدد من الشخصيات الوطنية والاعتبارية.
وبدأ مؤتمر الحكيم، الذي حمل عنوان "جريمة التطبيع وسُبل المواجهة" بتقديمٍ من عريفة الحفل الرفيقة أحلام عيد، التي وجّهت التحية لروح جورج حبش مو أبو علي مصطفى وأحمد سعدات، تلاه السلام الوطني الفلسطيني مسبوقًا بالوقوف دقيقة صمت تبجيلًا لأرواح من ترجّل من القادة والشهداء.
تلا هذا عرضٌ مرئيٌّ حول جريمة التطبيع مع العدو الصهيوني، ظهر فيه القائد الوطني الراحل جورج حبش وهو يخطب في الجماهير ويُؤكّد على رفض التطبيع، ويُشدّد على أهمية الانتفاضة المستمرة في وجه كيان الاحتلال، وضرورة التأسيس لحركة تحرّر عربية تبدأ بالثورة الفلسطينية.
أبو دقة: مستمرون بمواجهة التطبيع ومشاريع التصفية والفصل
وفي كلمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي ألقتها عضو مكتبها السياسي د.مريم أبو دقة، وبدأتها بتوجيه التحية للجماهير الفلسطينية وشهداء الثورة، قالت "إنّ الحكيم لم يغِب يومًا، وفكره وصوته وشعاراته حاضرة عند الرفاق كافة"، مُضيفةً "نستذكر الحكيم وهو يُؤكّد دومًا على أنّ أمريكا رأس الحية، ويُواجه بالفِعل الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، ويُؤكد أيضًا على أنّ معركتنا مع الاحتلال هي معركة وجود لا حدود".
وأضافت "الوفاء لروح الشهيد القائد الراحل حبش يكون بالاستمرار بالنضال والمقاومة وحماية المنجزات الوطنية والتأكيد على الثوابت الوطنية،.. وستسمر الجبهة بالنضال بلا كلل من أجل انهاء الانقسام المشؤوم وتحقيق الوحدة التي طالما نادى الحكيم لإنجازها وكان مثالًا للنضال من أجلها".
وتابعت أبو دقة "سنواصل حماية منظمة التحرير الفلسطينية كممثلٍ شرعيّ ووحيد للشعب الفلسطيني، وكمنجزٍ هامٍ دفع ثمنَه شعبُنا دماءً وتضحياتً غالية، وسنناضل من أجل تخليصها من التفرّد والهيمنة"، لافتةً إلى أنّ "أولى خطوات إعادة بناء المنظمة تستدعي عقد الإطار القيادي الوطني المؤقت، وفق ما تم التوافق عليه في بيروت، تمهيدًا لعقد مجلس وطني توحيدي".
وباركت أبو دقة، في كلمة الجبهة الشعبية خلال المؤتمر انطلاق التجمع الوطني الديمقراطي، معربةً عن أملها في أن يُحقق الأهداف الوطنية الديمقراطية التي تأسس من أجلها".
وجدّدت التأكيد على أنّ "التطبيع خيانة، وطعنة غادرة في خاصرة قضيتنا الوطنية، داعيةً إلى الوحدة في مواجهته، وكذلك مواجهة التطبيع وصفقة القرن ومشاريع التصفية والفصل"، وأكّد حرص الجبهة على استمرار العلاقة والنضال المشترك مع معسكر الأصدقاء: حركات تحرر وأحرار العالم، لمواجهة العدو الصهيوني"، مُعاهدةً الحكيم بالاستمرار على نهجه وثوريّته، وموجهةً التحية لعائلته.
صافي: أوسلو شكّل أكبر اختراق على صعيد التطبيع
وفي الجلسة الأولى من المؤتمر، قدّم أ.د خالد صافي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الأقصى نقدًا تاريخيًا لبدء ملامح التطبيع في الوطن العربي، بدأها بالقول "إنّ تعريف التطبيع لغةً هو إعادة الشيء إلى طبيعته، أمّا اصطلاحًا فيعني إعادة الأوضاع والعلاقات بين دولتين إلى طبيعتها. واستنادًا إلى أنّ الكيان ليس دولةً بل هو مشروع استعماري إحلالي، فهذا يعني أنّ الخلاف مع جذور هذا المفهوم إذا ما تحدثنا عن التطبيع مع الكيان الصهيوني".
واستعرض خالد صافي إرهاصات التطبيع، الذي قال "إنّها تجلّت في العلاقات السرية التي كانت قائمة بين أنظمة عربية وكيان الاحتلال حتى قبل قيامه، فكانت هناك اتصالات سرية مع الكيان وإمارة شرق الأردن منذ عشرينيات القرن الماضي، ولا أبالغ حين أقول أنّ بريطانيا عندما أنشأت هذه الإمارة، أنشأتها من أجل حماية الكيان مُستقبلًا، ..، وفي لبنان كذلك تعود أوّل العلاقات السرية بين النظام الرسمي وكيان الاحتلال بالعام 1936، وفي المغرب كان التمهيد لاتفاقية كامب ديفيد، وكذلك الاتصالات الفلسطينية- الإسرائيلية، التي أجرتها حركة فتح مع قوى ديمقراطية بالعام 1975 وما بعده".
كما تجلّت إرهاصات التطبيع في "مشروع التوطين، والتعاطى مع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وليس عودتهم كما نص عليه القرار الدولي، بدءًا باتصالات سورية-إسرائيلية، ثمّ تجدّد هذا المشروع بالحديث عن التوطين في سيناء في خمسينيات القرن الماضي، وكلاهما فشل وسقط".
واعتبر أنّ "قمة فاس كانت الأخطر على صعيد التطبيع، إذ تحدثت عن سلام عربي متكامل، وإسقاط خيار الحرب، وهو ما شكّل أرضية لكل مبادرات التسوية فيما بعد"، وتحدث خالد صافي كذلك عن اتفاق رودس، ومن ثمّ اعتراف العرب بقرار 242، الذي نص على أن تعيش إسرائيل في حدود آمنة وخاصة بها.
وشدّد على أنّ "أوسلو شكّل أكبر اختراق على صعيد التطبيع، حينما تم إبراز الأمر وكأنه تمّ حل الصراع" وختم بالقول "عندما نتحدث عن التطبيع، يجب أن نتحدث عن أنفسنا أولًا، فعندما هُنا على أنفسنا هُنا في عيون الغير"، وانتقد "التناقض بين الخطاب والأداء الفلسطينيين، داعيًا لضرورة الانسجام بينهما، وكذلك الانسجام بين الخطابين الرسمي والشعبي".
إدريس: مبررات التطبيع تملأ الساحة العربية
وكانت المداخلة التالية، للعضو المؤسس في حملة المقاطعة بلبنان، ورئيس تحرير مجلة الآداب اللبنانية أ.د سماح إدريس، الذي بدأ كلمته بتحية أهل غزة "أكثر بقاع العالم شموخًا وإباءً"، وقالت "إنّ غزة رفعت مستوى العمل على جبهة مواجهة التطبيع، عندما نظمت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة، مؤتمرًا لمواجهة التطبيع، وسمّت إحدى الجمع بجمعة مواجهة التطبيع، مؤخرًا، واليوم تُنظّم الجبهة مؤتمرها في ذكرى الحكيم، تحت عنوان تجريم ومواجهة التطبيع".
وتحدّث إدريس عن عدّة إستراتجيات وأدوات "إسرائيلية" يعتمد عليها العدو الصهيوني للتغلغل في المنطقة العربية، أولاها "الإستراتيجية الاقتصادية، عبر التعاون التجاري المباشر وغير المباشر، وهو ما يُعزز وجود الكيان الصهيوني بيننا،..، بتسريب البضائع في دول عربية بدون وسمها بـ(صُنع في إسرائيل)، وطرحها بأسعار تنافسية".
وتحدّث عن "الاستراتيجية الثقافية، عبر إيهام العرب أن الكيان قِبلة المُضطهدين جنسيًا ودينيًا إثنيًا، وهذه الاستراتيجية تلقى –للأسف- قبولًا في أوساطنا العربية..، إضافةً للفصل بين إنتاج فنانيها ومثقفيها ورياضييها وأدبائها من جهة وتعزيز وتجميل صورة الكيان من جهة أخرى".
وقال إدريس "إنّ مبررات التطبيع تملأ الساحة العربية" مضيفًا أن الفلسطينيين يُواجهون التطبيع بكل ما أوتوا من قوة ووسائل تزداد فعاليةً مع مرور الزمن"، وأعرب في ختام مداخلته عن أمنياته بزيارة غزة قريبًا.
المداخلة التالية كانت لـ د.حيدر عيد، أحد مؤسسي حملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية في فلسطين، الذي استعرض عدّة محاور تتعلق بالمقاومة الشعبية والمجتمعية للتطبيع وأبرز إنجازاتها، والتطبيع هو جوهر ما يُسمى بصفقة القرن
وقال د.عيد إنّ "ما يقود حركة المقاطعة العالمية هو حركة المقاطعة الفلسطينية"، لافتًا إلى وجود خلط هائل في تعريف التطبيع والمقاطعة، في ظلّ "حصر فهم البعض للمقاطعة في جانبها الاقتصادي فقط".
وركّز د.حيدر عيد في حديثه على التجربة الجنوب أفريقية في مقاومة ومواجهة التطبيع، الذي كان يعني حينذاك "أي فائدة من البِيض".
وأشار إلى أن الأزمة في موضوع التطبيع برزت حينما تفشّى "الشعور بالدونية بين الفلسطينيين، والاعتقاد وهمًا بأنّه لا مفرّ من المفاوضات مع إسرائيل، لأنها الأقوى ولا يُمكن هزيمتها، إلى جانب تصغير المشروع الوطني الفلسطيني، وتناسي الثوابت والحقوق الوطنية". لافتًا إلى أنّ هذا كلّه استدعى "إطلاق نداء المقاطعة بالعام 2005، ووقّعت عليه قطاعات كبيرة بمن فيها القوى الوطنية والإسلامية، وهذا يعني وضع حد لأدلجة التطبيع مع العدو الصهيوني". ولفت إلى أنّ "حركة المقاطعة حاولت التعامل مع الحقوق الذي يطرحها القانون الدولي على علّاته، وباتت تستخدمه كسلاح لنيل الحقوق الوطنية".
وحول القرارات التي تصدر عن هيئات منظمة التحرير حول مقاومة التطبيع، قل "كلّ القرارات تبقى حبرًا على ورق، فالتنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، وكذلك اتفاقية أوسلو وملحقاتها تُعتبر أكبر تجلّيات التطبيع". وتساءل "لماذا لا تزال هناك لجنة في منظمة التحرير للتواصل مع المجتمع الفلسطيني، ولماذا تستمر اللقاءات بين قيادات في السلطة الفلسطينية وشخصيات ومؤسسات إسرائيلية في الوقت الذي تسيل فيه دماء الفلسطينيين يوميًا بفعل إجرام وعدوان الاحتلال"، وقال "التطبيع هو جوهر ما يُسمى بصفقة القرن".
وتساءل "ما الذي تقوم به القوى الوطنية الفلسطينية لتوعية جماهيرها بالتطبيع ومخاطره ومعايير المقاطعة؟!"، لافتًا إلى أنّ "الشارع الفلسطيني يُعرف التطبيع، بسقف أعلى بكثير من تعريف المجتمع المدني وحركة المقاطعة".
وفي الجلسة الثانية من المؤتمر، تحدّث العضو في حركة المقاطعة الفلسطينية إلياس الجلدة عن المعوقات والتحديثت التي تواجه حركات المقاطعة.
وقال إنّ حركة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لكيان الاحتلال في اتّساعٍ ملحوظ وكبير، بدلالة ما يتوارد بين الحين والآخر من أنباءٍ حول إعلان فنانين عالميين وشخصيات ثقافية ورياضية وأكاديمية ومؤسسات مختلفة مقاطعتها الكيان الصهيوني، وهذا كلّه يُناصر حركة المقاطعة في سبيل تعزيز عزلة العدو الصهيوني العنصري.
وأضاف "التحدي اليوم هو كيفية قلب المعادلة، في الوقت الذي يُتّهم أي شخص يُهاجم الاحتلال أو اليهودية بالسامية، كيف نُحوّل الهجوم والتجريم ليطال كل من يدعم أو يُناصر هذا الكيان".
وقال الجِلدة إنّ أبرز المعوقات أمام حركات المقاطعة، هو استمرار التنسيق الأمني مع العدو كسرٌ للإرادة الشعبية وتضاد صارخ مع مطالب وحقوق شعبنا الفلسطيني. ومن المعوقات كذلك ضعفُ الوعي الفلسطيني وكذلك العربي بمخاطر التطبيع."
وفي التوصيات، دعا الجلدة إلى "وضع إستراتيجية وطنية عربية لمقاطعة الاحتلال، وتبنّي نداء المقاطعة ورفض التطبيع، سيّما من اليسار والأحزاب التقدمية، والقطاعات الثقافية والنخب السياسية". كما دعا إلى ضرورة الضغط على الأنظمة الرسمية العربية المنخرطة في التطبيع، وكذلك وسائل الإعلام المُطبّعة، في مقدمتها الجزيرة، لوقف التطبيع.
البرغوثي: على الفصائل الفلسطينية تجنيد أعضائها في الداخل والخارج لمواجهة التطبيع
وكان للأمين العام لحركة المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي كلمة مسجّلة في المؤتمر، ركّز فيها على التأكيد على دور حركة المقاطعة وأهميتها في إطار النضال الفلسطيني لنيل الحقوق الوطنية، واستعرض دور الأحزاب والفصائل في تعزيز مفهوم المقاطعة.
وقال إنّ "حركة المقاطعة يجب أن تشكل جزءًا لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية،.. سيّما وأنّها من شأنها تغيير ميزان القوى ليكون في صالح الشعب الفلسطيني". ولفت إلى أنّ "هناك تقديرات بأن حركة المقاطعة وأنشطتها وتأثيرها كبّد الكيان المحتل خسارة بلغت قيمتها 17 مليار دولار."
وحول دور الفصائل في المقاطعة، قال البرغوثي إنّها "يجب أن تُلقِي بثقل أعضائها وشبابها لتعزيز وتشجيع المقاطعة، وكذلك تجنيد طاقات أعضائها بالخارج، في مختلف دول العالم، من أجل وقف هرولة التطبيع الرسمي العربي، وتعرية هذه الأنظمة وفضحها ومنعها".
واستعرض عددًا من الإنجازات والنجاحات "الكبيرة" على صعيد جهود حركة المقاطعة في مواجهة التطبيع. وعلى الصعيد الدولي قال إننا "نستطيع البناء على نجاحات عظيمة، لتجنيد الحركات والشخصيات السياسية على مستوى العالم للانخراط في المقاطعة".