يا إلهي... "نريدك" حالا!- نصار إبراهيم

المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- لبنان
09-07-2016
[تنويه هام جدا: أتمنى على الجميع عند قراءة هذا النصّ الانتباه بحيث لا يتم حرف النقاش بوعي أو بدون قصد عن معناه العميق ووجهته الأساسية... فيجري الانشغال والاشتغال بالظاهر والشكلي والسطحي على حساب المضمون والجوهر والفكرة... أما من يجد فيه قيمة ومعنى فليشارك فقد يفيد].
***
يا إلهي ... هذا ليس أمرا (أعوذ بك)... بل نداء على شكل رجاء... أرجوك، نريد"ك" الآن... وحالا... لكي تتجلى في الأرض وللناس مباشرة... فلم يعد الأمر يحتمل... فما يقوم به "عبادك" تجاوز فكرة الاختبار والإيمان والقضاء والقدر...
يا إلهي وأنت الجليل الرقيب! لقد تجاوز ما يقوم به من يتحدثون باسمك كثيرا حكمتك من وراء "قصص الأولين والآخرين" ليتحول إلى أهوال وقتل وسحل وذبح بالجملة... لقد أصبح القتل باسمك نمط "عبادة"... ولا أعتقد، أيها العليم الحكيم، وبالعقل الذي منحتني إيّاه... أن كل ذلك من تدبيرك... فما يجري تجاوز كل حدود العقل والمنطق والدين... مما يستدعي تدخلك الفوري...
نعم نريدك حالا يا إلهي... لأننا لم نعد نستطيع السيطرة على براكين الجنون الجماعي التي يجري تنظيمها باسم جلالك... كما لم نعد نفهم ونستوعب بأن ما يقومون به هو براهين على قدرتك كما يُرجفون...فما أنت بظالم ولا ظلاّم!.
يا إلهي وأنت الأول والآخر! نريدك الآن... فعلى ما يبدو أن "الشيطان" الذي قلت له "فإنّك من المنظرين" قد نجح في تقمص نصوص وكلمات وآيات كتبك السماوية و"احتلها"... فجعل منها نارا حارقة تعصف بالأخضر قبل اليابس على هذه الأرض...
يا إلهي وأنت المقدِّم المؤخِّر! إن الأمر جلل وخطير... فقد تجاوز الدم والألم الحلق وفاض... وفي غمرة الدم هذه لم يعد أحد يتذكر حتى رحمتك... لهذا نحتاجك الآن وفورا لتعيد تذكير الناس بك...
يا إلهي وأنت الخبير البصير! إن ما يجري لا يستطيع وقفه حتى الأنبياء... لهذا أرجوك... إننا لا نريد المزيد من الأنبياء... فلن يوقف ما يجري سوى تدخلك المباشر... بهذا فقط تعيد لأديانك إنسانيتها التي انتهكت وذبحت من الوريد إلى الوريد...
يا إلهي وأنت النّور! لم نعد نملك وقتا للتفكير... فقد تحولت الصلوات باسمك إلى أدعية للتكفير والقتل والسبي واللعنات... لهذا نريدك الآن لكي تعيد للناس بعض عقلهم.
يا إلهي وأنت اللطيف الصبور...! لقد جعلوا منك قاتلا (سبحانك) ... ولن يتوقف القتل باسمك إلا إذا أعلنت بكامل جلالك وقدرك وقدرتك أنك برئ من كل هؤلاء إلى يوم يبعثون... برئ من الطوائف والأحزاب... برئ من خطابات وأدعية التكفير والإقصاء والذبح والقتل...!.
يا إلهي وأنت الخالق المحيي المميت...! لقد التبس الأمر على "عبادك" تماما وانقلب إلى نقيضه... فلم يعودوا يدركوا أو يفهموا كيف ولماذا تُستباح حرمة النفس التي خَلقتَ... فيقتلون ويذبحون ويحرقون بلا رقيب أو حسيب أو رحمة.. وذلك فقط لأن أحد "أدعيائك" يفتي بذلك... فما الذي سيفعله كل الدعاة باسمك يا الله... إذا ما تمّت إبادة كل من لديه رأي أو قناعة أو اجتهاد أو معتقد آخر... أو حتى من لديه شك في أقانيم السماء... ألم تقل وجادلهم بالتي هي أحسن... وأن لكم دينكم ولي دين!.
يا إلهي وأنت الحفيظ...! بصراحة لم تعد كتبك الحاضرة بين أيدينا قادرة على وقف المجزرة... فآياتك وكما أُنزِلت بمشيئتك لم تكن مجرد كلمات على ورق... بل وعي وعقل وروح وضمير... لكنهم تجاوزا كل هذا فنفوها من العقل وفصلوها عن روحك القدس... لقد سرقوها يا الله... وراحوا يؤوِّلونها حتى التبست معانيها الحكيمة وقدرتها على ضبط القطعان المنفلتة حد الجنون...
بل لقد أوغلوا، يا إلهي، في غِيِّهم وضلالهم وجهلهم إلى الدرجة التي باتوا يعتقدون معها أنك ما خلقت الناس وما أرسلت أنبياءك إليهم إلا لأنك بحاجة لهم ولطقوسهم... مع أنك ما فعلت كل ذلك إلا لتزرع الرحمة في قلوب الناس بعضهم على بعض... فقلت بمحكم آياتك أن أحدا لن يصل إلى ملكوتك إلا عن طريق وصوله لقلوب وأرواح خلقك بالحب والرحمة والعطف.
يا إلهي وأنت التوَاب الغفور! لقد تجاوزوا كثيرا كثيرا إلى أن وصل بهم الأمر أن يستبقوا يوم حسابك وميزان عدلك... فراحوا يبرِّءون ويكفِّرون... يحاسبون ويعاقبون... حتى حرموا الناس من لحظة أمل ورجاء بأن تغفر لهم بما أخطأوا...
يا إلهي وأنت القادر المقتدر! أرجوك أن لا "تتأخر" علينا... فكل دقيقة تعني المزيد من القتل... نريدك الآن... وسترى بأم "عينك" كيف ينحرون الأطفال والنساء والرجال... وهم يهتفون باسمك ويكبِّرون!
ينسفون ما أبدع خلقك منذ بدء الخليقة... وهم يهتفون الله أكبر!
يقصفون المدن ويحتلون الشعوب... ويسرقون لقمة عيشها... ويهتفون باسمك القدوس!.
بل وحتى التين والزيتون اللذين أقسمت بهما تقديسا... وكل الزرع والنبات الذي ترسل له السحاب ليحيا.. حرقوه واقتلعوه وأبادوه... فنسوا وتناسوا وصايا رسلك: لا تقطعوا شجرة ولا تهدموا صومعة!.
يا إلهي وأنت البرُّ! لقد وصل الأمر إلى أن يذبح الولد أمه ويقتل أبيه... ويطلق النار على صاحبه وأخيه، وكل ذلك، كما يقولون، مرضاة لك...! وتنفيذا لمشيئتك... أيعقل أن يحدث كل هذا باسمك يا الله!؟.
يا إلهي وأنت العدل الولي الحكم! "تعال وانظر": كيف اقتلعوا شعبي الفلسطيني ودمروه وشردوه وقتلوه وسجنوه وحاصروه... فعلوا كل ذلك منذ قرن وأكثر ولا يزالوا... وكل ذلك باسمك وترجمة لوعد يقولون بأنك وعدتهم به كما يدّعون... لقد جعلوا منك - سبحانك- مقاول عقارات...فتعال لنفهم.. ولكي نعرف هل هذا صحيح؟ هل فعلا أنت أمرت بذلك...!؟.
يا إلهي وأنت الوهاب النافع الرشيد! "أنظر" ماذا يفعلون باسم مشيئتك... "أنظر" كيف حوّلوا نعمة علمك إلى مخزون نووي بمقدوره أن يدمر الأرض ويجفف البحار ويشوي الكائنات التي أبدعتَ 20 مرة ويزيد...
لقد أشعلوا يا إلهي حربين عالميتين وما قبلهما وما بينهما وما بعدهما... فابادوا وحرقوا الملايين.. ومع ذلك يقولون أنهم يفهمون ويعقلون ويدركون...!.
لقد لوثوا يا إلهي الهواء والماء والتراب... بل وحتى ثقبوا السماء بالأوزون... كما احتكروا نعمك في باطن الآرض وما فوقها وفي البحار جميعها... وراحوا يبعيونها لعبادك بالدرهم والدينار والدولار... فازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا... ويقولون أنهم عادلون وعقلانيون وديمقراطيون...!!!.
لقد قسموا يا إلهي وصنفوا الإنسان الذي خلقته في أحسن تقويم إلى أبيض وأسود وأصفر.. يرفعون هذا ويخفضون ذاك... يفعلون كل هذا ويقولون: أنهم إنسانيون وأخلاقيون... ويأمرون الناس بأن يطيعوا أولي الأمر منهم!!!.
يا إلهي وأنت الواحد الجامع..! "تعال وانظر" كيف انتظموا كل عشرة في فصيلة ترفع راية تحمل اسما من أسمائك الحسنى، أو ترفع راية أحد أنبيائك أو رجالك الصالحين وانفلتوا يحرقون ويقتلون ويذبحون في شامك العزيزة... مهد حضارات إنسانك الأول وأبجديته...!؟.
نريدك حالا يا إلهي وأنت الرؤوف العزيز... لترى كيف اجتاحوا عراق الخير والحضارة... حيث كانت بذرة الأديان الأولى... وحولوه إلى ساحة إعدام وحرق وقتل!؟.
يا إلهي وأنت الحليم الوكيل! "تعال وانظر" ماذا يفعلون في يمنك السعيد... لقد حولوا أطفاله إلى أشلاء وأبادوا الزرع والضرع باسم الدفاع عن طائفة من دينك ضد طائفة أخرى من دينك ذاته!؟.
يا إلهي وأنت الحق الوالي! "تعال وانظر" ماذا يفعلون في كنانة العرب... وكيف حولوها إلى بلد لقتل البسطاء من عبادك... إلى بلد يقاتل فيه أتباع نبيك أحمد أتباع نبيك عيسى!؟.
يا إلهي وأنت العليم البديع! "تعال وانظر" كيف جعلوا من بيوت عبادتك كهوفا لتعليم الكراهية والشتم والفتنة واحتقار الأنسان والعقل...!!.
لقد باتوا يا إلهي يتوضؤون بدمنا ويتعمدون به... بل لقد حملوا إنجيلك فاستعمروا شعوبا وابادوا أخرى وكل ذلك باسم كلمتك الحق...
يا إلهي وأنت المصوِّر المُعزُّ المُذلُّ الخافض الرافع! "تعال وانظر" كيف جعلوا من المرأة التي أودعت فيها سر الحياة والولادة... المرأة التي أنجبت أنبياءك جميعا عارا... وموضوعا للدونية والمهانة والاحتقار...!؟.
يا إلهي وأنت السلام المؤمن المجيب! "تعال وانظر" كيف يفجرون أنفسهم في الصوامع والكنائس والمساجد والأسواق والساحات ومدن أهل الكتاب... أي بالضبط كما حمل من قبل أهل كتابك الصليب ليقتلوا ويحرقوا ويدمورا... والكل يدعي أنه يقوم بذلك من أجل إعلاء رايتك وكلمتك... فكيف يكون هذا أيها العلي القدير الرحيم!؟؟.
يا إلهي وأنت القادر المقتدر! أرجوك أإننا نريدك حالا... لقد جعلوا أديانك السماوية وما اكتشف وأبدع عبادك من أديان تقاتل بعضها حتى الموت...
يا إلهي! لقد ألبسوا أنبياءك، الذين حمّلتهم رسالة الرحمة والعدل والأخلاق والإنسانية والموعظة الحسنة، الدروع والخوذ وحمَّلوهم السيوف والبنادق والصواريخ ودفعوا بهم ليقتتلوا في ساحات المجالدة كالضباع...
يا إلهي! إننا لم نعد نحتمل... كما لا نملك ترف الانتظار... لم نعد نملك عقولا وقلوبا للصلاة الحق وللدين الذي هو بالأصل عملٌ ومعاملة...!.
يا إلهي وأنت القابض الباسط! إنهم يحاولون حتى اقتحام سماواتك العلى ليجعلوا منها قِبلة لكل قاتل ومغتصب... بل ويحاولون حتى جعل جنتك التي تعد سبحانك! ماخورا للنزوات والشبق الجنسي... فهل هناك أكثر من هذا لكي "تأتي" بذاتك يا إلهي لترى وتصحح...!؟.
يا إلهي وأنت الهادي! لقد حاولت جهدي وتمسكت بآيتك التي لبس ولا التباس فيها: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (صدقت)... إنك لم تقل يا إلهي رحمة للمسلمين فقط، أو للسنة فقط، أو للشيعة فقط، أو لأهل الكتاب فقط، أو للشرق فقط، أو للغرب فقط... إنك لم تضع أي حرف استثناء أو إقصاء لا معلن ولا مضمر... بل قلت بلسانك المبين: رحمة للعالمين... وفي كل معوّذاتك تقول: قل أعوذ برب الناس، كل الناس،... لكنهم يا الله... لا يلتفتون ولا يأبهون...
لكل هذا يا إلهي وأنت السميع المجيب! نريدك حالا... نريدك الآن لكي تنقذ ما تبقى من رحمتك في قلوب وعقول هؤلاء البشر فتنقذهم من أنفسهم... وإذا لم يتم ذلك... فسيواصلون- وباسمك العزيز الماجد المجيد - أكل لحم بعضهم بعضا...
نعم نريدك حالا يا إلهي... لكي تعيننا عليهم... وإلا لن يبق على هذه الأرض ما يستحق الحياة... لن يبق بشر ولن تكون حياة ولن تُعبد فيها كما تريد... ف"لا تتأخر" علينا... يا ذا الجلال والإكرام.


التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها


الأسم *
البريد الألكتروني
البلد *
التعليق *
رمز الحماية: أكتب الثلاثة أرقام السوداء فقط captcha image
New Page 1